فن السرد في الأفلام: كيف يمكن أن تدفعنا قصة للتغيير الفردي
بكل تأكيد صناعة الأفلام، بشكلها الحالي، هي صناعة تهتم بالربح بشكل كبير. سواء في العالم العربي أو الغربي، فقد أصبحت سلعة مهمة تدر الكثير من الأموال لمنتجيها. لكن يحدث أن نشاهد بين فترة وأخرى، فيلماً يأسرنا وتلهمنا أحداثه ونشعر بمدى اختلاف قصته مقارنة بما نشاهده في معظم الأوقات. ربما لا تنجح مثل هذه الأفلام تجارياً، لكن يبقى شئ مهم منها، وهو تأثير القصة والأحداث على شخصياتنا، بالإضافة إلى ما يدفعنا إليه هذا التأثير من أفعال.
إذا دقنا النظر في مثل تلك الأفلام، نلاحظ أن أهم ما يدفعنا للبحث عن فيلم شبيه، تأخذنا أحداثه وشخصياته إلى عالم مختلف، نشعر بعده باختلاف طفيف في طريقة فهمنا للأمور؛ هي طريقة السرد التي يستخدمها صناع الفيلم لإيصال رؤيتهم وقصتهم. هذا هو فن السرد، إنه الطريقة التي يقص بها الراوي قصته على الجمهور، وهي التي تأسرنا وتجعلنا نشعر بمشاعر شخصيات تلك القصص.
من خلال الطريقة التي تُقدم بها القصص، يمكن للراوي أن يشعر بالقوة ومدى تأثير ما يقوم به على المشاهدين. فالقصة تسمح للراوي بدخول عقل المشاهد بشكل سلمي هادئ، وبدون مواجهة عنيفة مع الأفكار المختلفة. ومن خلال طريقة السرد يمكن لأي شخص أن ينجذب للفكرة ويبدأ في تفهمها، حتى إن لم يقبلها في النهاية. فيمكن للراوي أن يدخل عقل المشاهد ويعرض أفكاره، حيث تعمل الفكرة على تكوين حوار داخلي في عقل المشاهد. ومن هنا يستهل التغيير المجتمعي على المستوى الفردي مشواره.
في نفس الوقت، كلنا قد رأينا تجارب شبيهة كان مصيرها الفشل رغم قوة القصة. فهذه القصص حاولت دخول عقل المشاهد ونشر بذرة الأفكار، لكن عقل المشاهد قام بصدها وأحياناً جاءَ الصد بشكل عنيف. نرى هنا أن من الأسباب الرئيسية لمثل هذا الفشل في إيصال الأفكار، هو دفع القصة بشكل مباشر وقوي، مما يدفع المشاهد لبناء حائط سد في عقله لشعوره بالتهديد.
هنا تكمن نقطة مهمة تستخدمها الأفلام الناجحة ذات القصص التي تملك تأثيراً واسعاً.. وفي هذه المقالة نود إبراز جانب مهم لصناع الأفلام، وهو الجانب المهتم بالعلاقة التي يتم تكوينها بين المشاهد وشخصيات الأفلام من خلال القصة.
القصة التي تتمحور حول هذه العلاقة وتحاول الوصول لنقطة تشابه بين المُشاهد والشخصيات في العمل، تؤدي إلى أن يكون المشاهد علاقة بالشخصية والتي تتحول إلى اتصال. أهمية هذا الاتصال تكمن في دمج المشاهد مع الشخصية التي يمكنه من خلالها أن يرى العالم بمنظور آخر لم يتعود عليه. كل هذا في سبيل الوصول للمرحلة الأعلى، وهي تمهيد تقبل عقل المشاهد بالتفاعل مع الأفكار المختلفة ومنها الأفكار التي قد لا تكون مقبولة بالنسبة له.
هناك العديد من الأمثلة في أفلام تتمحور حول هذه الطريقة في السرد. في دراسة أجرتها جامعة فلوريدا- أمريكا، تم دراسة تأثير أفلام تاريخية عن الحرب العاليمة الثانية، وتحديداً أفلام تتحدث عن القائد الألماني النازي أدولف هتلر. حيث تم دراسة نأثير الفيم الألماني Downfall والفيلم الكوميدي My Fuehrer. ورغم اختلاف درجات تأثير القصة على المشاهدين إلا أن الباحثين سجلوا اختلافات عديدة في مشاعر المشاهدين بخصوص شخصية هتلر. أحد الأمثلة الشهيرة لأفلام كلاسيكية تحتوي على هذا النوع من السرد فيلم Chinatown و Vertigo و Requiem for a Dream.
كل هذا يمكن أن يحدث من خلال الطريقة التي يتم بها سرد قصة ما. ربما قد لا تستخدم الجماعات المتشددة الأفلام بشكلها المتعارف عليه، لكنها تعي إمكانية تغيير المفاهيم والآراء، من خلال خلق اتصال قوي بين المشاهد والشخصية في القصة، وهنا تكمن أهمية مراعاة قوة ذلك الاتصال. من خلال فهم طريقة تفاعل المشاهدين مع ما يرونه، وبالتالي يمكننا محاربة الأفكار المتطرفة ومنعها من الانتشار وفهم طرق التغيير المجتمعي الفردي بشكل أفضل.
المصادر: