سلسلة مقالات نقطة: لا تسمح لهم بخداعك..!
301

سلسلة مقالات نقطة: لا تسمح لهم بخداعك..!

 

 

هل تملك فكرة ولكنك لست قادرا على إيصالها ؟

لديك رسالة لكنها دائما تصل للجمهور بصورة مخالفة للتي تريد؟

هل أنت بلا أي فكرة ولا أي رسالة لكنك بارع في إقناع الناس بأي شيء؟

 

المغالطة المنطقية هي خطأ في الاستنتاج والتفكير، أي يكون التفكير أو الإستنتاج قائم على أسس خاطئة، لذلك يجب علينا البدء من النتيجة قبل بناء حجة تدعم هذه النتيجة و تعتبر معرفة كيفية تمييز المغالطات المنطقية وتحديدها مهارةً لا تُقدَّر بثمن، فالعقل البشري لم يتكيف مع استخدام المنطق بكل دقة، فهناك خدعاً منطقية تنجذب عقولنا إليها، فيجب أن نكون على وعي بها ونحاول أن نتفاداها.

 

-إقرأ هنا المنطق

 

  • لا تسمح لهم بخداعك!

مما لاشك فيه أن المغالطات هي خدع و أوهام في التفكير وتستخدم بكثرة في المحادثات الشخصية، والإعلانات، والجدل السياسي والقضائي، وفي شتى ألوان التعليقات التي نصادفها في الصحف والإذاعة المرئية والمسموعة وشبكة الإنترنت وغير ذلك من وسائل الإعلام، فليس بالحَقِّ وَحْدَهُ تَكسِبُ جَدَلًا أَوْ تَقهَرُ خَصْمًا أَوْ تُقنِعُ النَّاس..

ذكر الدكتور عادل مصطفى في كتابه المغالطات المنطقية "فصول في المنطق غير الصوري": 

تَبْدأُ حِواراتُنا غَالِبًا بوضْعِ أُسُسٍ مُتَوَهَّمة، وفَرْضيَّاتٍ مُسَلَّمٍ بِها؛ سَعيًا مِن أحَدِ الطَّرفَيْنِ إلَى إِثْباتِ نَظَرِيَّتِه، وصِحَّةِ مَا ذهَبَ إلَيهِ في مَسألةٍ مَا، ويَذهَبُ الكَثِيرُ مِنَّا إلَى التَّعاطِي مَعَ هذِهِ الفَرْضيَّاتِ الَّتي رُبَّما تَكُونُ استِنتاجًا خاطِئًا أوْ مِن وَحْيِ خَيالٍ مَحْض، دُونَ تَفْنيدِها أَوِ الوُقوفِ عَلَى صِحَّتِها أَوْ أَصْلِها، فنَرَى أَنفُسَنا وقَدْ وَقَعْنا أَسْرى لبَعضِ المُغالَطاتِ المَنْطقيَّة، الَّتي تَجعَلُ مِنكَ خاسِرًا عَلى طُولِ خطِّ الحِوارِ أَوِ الحِجَاج. 

 

-إقرأ هنا المغالطات المنطقية، لعادل عادل مصطفى:  كاتبٌ وفيلسوفٌ مصري، انصبَّ اهتمامُه الفكري على الفلسفة كتابةً وترجمةً، له حوالي، ثلاثين كتابًا في فروعٍ متنوِّعةٍ من العِلم.
 

في السياق نفسه يقول أفلاطون في محاورة جورجياس: «في جدالٍ حول الغذاء يدور أمام جمهورٍ من الأطفال فإنَّ الحلواني كفيلٌ بأن يهزم الطبيب، وفي جدالٍ أمام جمهورٍ من الكبار فإن سياسيًّا تَسَلَّح بالقدرة الخطابية وحِيَلِ الإقناع كفيلٌ بأن يَهزمَ أيَّ مهندسٍ أو عسكري، حتى لو كان موضوعُ الجدال هو من تخصص هذين الأخيرين، وليكن تشييد الحصون أو الثغور! إن دغدغة عواطف الجمهور ورغباته لَأشَدُّ إقناعًا من أي احتكامٍ إلى العقل.

ومن هنا فأن التَّصدِّي للمُغالَطاتِ المَنْطقيَّةِ فَنٌّ يَجبُ أنْ تُتقِنَه إنْ كُنتَ تُرِيدُ النَّجاحَ في إِيصالِ أَفْكارِك، لذلك نقدم لك قائمة ببعض الأخطاء المنطقية:

  • مغالطة رجل القش Straw man

أن تعيد صياغة حجة الشخص الآخر بشكل غير دقيق ليَسْهل عليك نقدها، وذلك باللجوء إما إلى المبالغة أو التحريف أو تصوير حجته بشكل مغاير تماماً. قد يساعدك هذا الأسلوب على الظهور بموقف أكثر عقلانية، إلا أنه لن يؤدي إلى نقاش عقلاني صادق.

مثال: خلال نقاش بين عمر وزيد، شدد الأول على أهمية الصرف على التعليم والصحة، فما كان من زيد إلا أن رد بأنه متفاجئ من أن عمر يكره وطنه لدرجة أنه يريد تركها دون حماية بخفض ميزانية النفقات العسكرية.

 

  • الشخصنة Ad hominem

عندما يُفكر الناس بالجدال، فإنّ أول ما يخطر في أذهانهم هو مشادّة كلامية مشوبة بالتهجّمات الشخصية، ومما يُثير السخرية؛ أنّ الهجوم الشخصيّ يناقضُ الجدال المنطقي، إذ يُسمَى الهجومُ الشخصيُّ في علمَي المنطق والبلاغة الشخصنة  وهي كلمة لاتينية تعني ضد الإنسان. فبدلًا من التقدُّم الصحيح في التفكير المنطقيّ الجيد، تستبدل الشخصنةُ الجدالاتِ المنطقيةََ بلغة هجومية ليس لها علاقة بالحقيقة.

مثال: بعد ما قدمت اسيل حل مقنع يقضي على مشكلة الطلاق، سأل ليث الجمهور، “هل تصدقون ما تقوله هذه المرأة؟ فهي لا تملك شهادة جامعية وغير متزوجة.”

 

  • حجة من جهل Argument from ignorance

هي انتقاد صحة أمرٍ ما لعدم وجود أدلة تثبت عدم صحته، مثلاً:

قال صالح، “لا توجد أدلة علمية تدعم تأثير الظواهر الفلكية بحياة الأفراد على الأرض، إذاً التنجيم خرافة.” ورد مازن، “في وقتنا الحالي لا نملك المعرفة الكافية لنستطيع تفسير كل الظواهر الفلكية، فلا نستطيع أن نثبت أن التنجيم خرافة ولذلك، التنجيم ليس خرافة.”

وهذه المغالطة تُستخدم أحياناً لنقل عبء الإثبات من صاحب الحجة إلى الطرف الآخر، ففي المثال السابق مازن نقل عبء إثبات أن التنجيم خرافة وربطه بوجوب معرفة كل ما يمكن معرفته عن الظواهر الفلكية، بدلاً من إثبات تأثير الظواهر الفلكية على حياة الأشخاص.

و من الحالات الخاصة لهذه المغالطة هو الخلط بين الذي لا نستطيع تفسيره مع غير القابل للتفسير، فعدم وجود تفسير لظاهرة ما لا يعني أننا لا نستطيع تفسيرها في المستقبل أو كونها ظاهرة غير قابلة للتفسير خارجة عن الطبيعة، فكان يُعتقد أن كسوف الشمس هو ظاهرة غير قابلة للتفسير ولكن في وقتنا الحالي يوجد تفسير علمي لها، بل نستطيع أن نتنبأ بالكسوف قبل حدوثه.

 

  • الاحتكام إلى سُلطة Argument from authority

أن تقول أن تبني شخص ذو سلطة معينة لرأي معين ما هو إلا دليل على صحة هذا الرأي.

مثال: أستاذي في الجامعة صاحب شهادات عِلمية ولدية خبرة بالموضوع، يقول أن الأرض مسطحة؛ إذاً، الأرض مسطحة.

غالباً ما تحتوي الحجة على تأكيد عدد سنين خبرة صاحب السُلطة، أو ذِكر مستواه التعليمي، أو شهاداته. وعكس هذه المغالطة أيضاً يستخدم: “إن صاحب الحجة لا يمتلك (الخبرة، التعليم، الشهادات)، اذاً حجته لابد من أن تكون خاطئة” وهذا الاستخدام يدخل تحت مغالطة الشَخْصنة.

في التطبيق قد تكون هذه المغالطة معقدة من حيث التعامل معها، فإن من الجائز أن يؤخذ بعين الاعتبار خبرات أو شهادات الشخص عندما نحلل حجته، أيضاً إجماع العلماء في الموضوع له سُلطة لابد من أن تؤخذ بعين الاعتبار. الاحتكام إلى سُلطة لا يجعل الحجة صحيحة، ففي النهاية كلنا بشر.

فهل برأيك حقيقة أن الروبوتات ستستعبدنا يومًا ما، لأن أستاذي في علم الحاسوب قالها؟؟

 

  • المنطق الدائري Circular reasoning

أن تستخدم منطقا دائريا بحيث يكون الاستنتاج مربوطاً بالنتيجة. هذه المغالطة من أكثر المغالطات شيوعاً عند المتدينين.

مثال: يَقُل أحدهم: “إنّ الكتاب المقدس حق لأنه ينطق بالحق” فإن هذه تكون حجة دائرية، إذ يفترض أحدهم أن الكتاب المقدس لا ينطق إلا بالحق، وبذلك يثق بأنه ينقل الحقيقة التي يقولها بصدق

مثال: أنجح محافظ على الإطلاق هو المحافظ مازن لأنه أفضل محافظ بتاريخ المدينة.

بمعنى آخر، سبب نجاح مازن هو أنه ناجح. عادةً ما يصاغ الاستنتاج بطريقة أخرى ويقدم كمعطى قد لا يبدو مشابه للاستنتاج من الوهلة الأولى.

  • مغالطة “المغالطة” The “fallacy” fallacy

هي افتراض أن استنتاج حجة ما خاطئ لسبب احتوائها على مغالطات منطقية أو كونها غير سليمة. ففي بعض الأحيان تُربح المناقشة ليس بسبب صحة حجة الفائز ولكن بسبب أن الفائز هو الأفضل في النقاش وبناء الحجج. مثلاً:

قال صالح لمازن، “أستاذي في المدرسة يقول أن التدخين يضر بالصحة، فيجب أن تقلع عن التدخين،” ورد مازن عليه، “استخدمت مغالطة الاحتكام إلى سُلطة؛ إذاً، حجتك خاطئة والتدخين لا يضر بالصحة.”

فيجب علينا أن لا نتسرع بالحكم على عدم صحة الاستنتاج بسبب سوء تقديم الحجة أو احتوائها على مغالطات منطقية.

 

  • حدث بعده، إذاً هو سببه Post hoc ergo propter hoc

لربما تكون هذه المغالطة الأكثر شيوعاً، فهي تتبع شكلاً بسيطاً وهو س حدث قبل ص، إذاً، س سبّب ص، وهكذا يُفترض السبب والنتيجة لحادثتين فقط لحدوثهما مؤقتاً بعد بعض، مثال:

مستنداً على رسم بياني، وضح مازن أن درجة حرارة الأرض ترتفع على طيلة مدار القرن السابق، وبنفس الوقت عدد القراصنة يقل؛ إذاً، القراصنة يحفظون برودة المناخ والإحترار العالمي ما هو إلا خدعة. ولكن في الحقيقة ربما يكون هناك حادثة ثالثة تسبب الحادثتين أو سبب حدوث الحادثتين مجرد صدفة.

  • سد الذرائع Slippery slope

هي ربط حدوث أمرٍ ما بحدوث عدد من الأمور التي تنتهي بحدث سلبي، ولذلك يجب عدم حدوث الأمر الأول، مثلاً:

يقول مازن لصالح “إن لم تدرس يوم الخميس لن تحصل على درجات عالية، وإن لم تحصل على درجات عالية لن تستطيع دخول الجامعة، وإن لم تستطع دخول جامعة لن تستطيع أن تجد وظيفة، وأن لم تستطع أن تجد وظيفة سوف تكون بواب مدرسة. هل تريد أن تكون بواب مدرسة؟ إذاً، يجب أن تدرس يوم الخميس.”

هذه المغالطة تستخدم لتتجنب مناقشة الحجة وتحول الانتباه إلى أمور أخرى افتراضية.

 

  • المغالطة الوجدانية pathetic fallacy

تتألف كلمة أنثروبومورفيزم من كلمتين يونانيتين: Anthropos وتعني «إنسان»، وmorphe وتعني «شكل»، الأنثروبومورفية إذن هي «أنسنة» غير الإنسان، أو أخذ اللاإنساني مأخذ الإنساني، أو إضفاء صبغةٍ بشرية على ما ليس بشرًا، والأنثروبومورفية (الأنسنة) وفقًا لمعجم أكسفورد الفلسفي هي «تمثيل الآلهة، أو الطبيعة، أو الحيوانات غير البشرية، على أن لديها أفكارًا ومقاصد إنسانية، أحيانًا ما يكون ذلك تمثيلًا استعاريًّا معلنًا، فتكون المشكلة إذاك أن نفهم وجه الاستعارة.»١

وقريب من ذلك مصطلح «المغالطة الوجدانية» pathetic fallacy، أي إسباغ الخصائص الإنسانية، المشاعر بخاصة (أو الانفعال أو «الوجدان» pathos) على الطبيعة والجمادات، من مثل قولنا: السماء الضاحكة، البحر الغاضب، إعصار لا يرحم، بحيرة هادئة، أشجار حزينة … إلخ.

الأمر كما ترى هو نوع من «التمركز على الإنسان» anthropocentrism يُصادر بأن كل شيء آخر في الوجود لا بُدَّ يشبهنا على نحوٍ ما، أو هو محاولة منا، نحن البشر، لفهم أي شيء لا نملك إليه منفذًا معرفيًّا مباشرًا، فنتخيل أنه يسلك مثلنا تمامًا، وقد يوغل العقل، البدائي بخاصة، إلى حد أنسنة أرواح الأشياء والظواهر الطبيعية، الرياح والأنهار والرعد …، والأحداث كالحرب والموت …، والمفاهيم المجردة كالحب والكره والجمال والخصام …!

* لا مسلمات في الحديث 

دراسة المغالطات المنطقية ينبغي أن تكون جزءًا من التعليم الأساسي، وجزءًا من برامجنا الثقافية، وحتى الترفيهية، على جميع الوسائط؛ لأن الفراغُ الفلسفي والمنطقي هو أفتَكُ ضروبِ الفراغ؛ والدماغ البشري يبغض الفراغ، ويبحث عما يملؤه، و الخرافة هي أسرع ما يملأ هذا الفراغ، لأنها تقدِّم أجوبةً سهلةً على الأسئلة الصعبة، وهنا تكمن أهمية دراسة المغالطات المنطقية..

فقد أصبحت تربية التفكير النقدي ضرورة بقاء لنا جميعًا. 

 

أُنتجَ هذا المقال ضمن برنامج الإقامة الفنية.