كيف يجعلنا والدانا أكثر تطرفاً
59

سلسلة مقالات نقطة: كيف يجعلنا والدانا أكثر تطرفاً؟؟

 

 

*فتاة تضرب زميلتها ذات الـ8 سنوات 

*هل سمعتم ب شاب يقتل صديقه إثر خلاف بسيط؟

*طرد 20 فتاة من مكان عملهم لأن المدير لايحب التكلم مع الفتيات 

*هل قام أحدكم بسؤال شاب قرر عدم إكمال دراسته بعد أول 3 أيام في الجامعة، عن السبب؟ 

* ما الذي يجعل فتاة تستقيل من العمل بعد خلاف مع زملائها لأنهم لا يوافقونها في الرأي؟ 

 

أشارت مجموعة من الدراسات النفسية والتربوية والسوسيولوجية الحديثة أن أسباب التطرف والإرهاب، وأحادية الرؤية، رفض التسامح وتقبَل الاختلاف، هو نتاج ثقافتنا المجتمعية والعرقية وأساليب التربية التسلطية، وحرمان الآخر من التعبير عن الذات بصورة إيجابية آمنة، بدءاً من الأسرة إلى المدرسة وانتهاءاً بالمجتمع ومؤسساته الاجتماعية.

 

  • التنشئة الاجتماعية

كما وضح إميل دوركايم (فيلسوف وعالم اجتماع فرنسي، أحد مؤسسي علم الاجتماع الحديثالتنشئة الاجتماعية على "أنها عملية استبدال الجانب البيولوجي بأبعادٍ اجتماعية وثقافية، تصبح هي الموجهات الأساسية لسلوك الفرد داخل مجتمعه."

ونظراً إلى أهمية التنشئة الاجتماعية باعتبارها عملية ديناميكية لا تبدأ أو تنتهي عند مرحلة عمرية محددة من مراحل نمو الشخصية وأنها تساعد على التكوين الاجتماعي، فهي عملية الضبط الاجتماعي والامتثال للقواعد والقيم،  لذا نقتصر في مقالنا هذا عن التنشئة الاجتماعية بالحديث عن أهم عامل مؤثر فيها ألا وهو الأسرة. 

 

  • الأسرة وأثرها في التنشئة الإجتماعية 

أثبتت الدراسات أن نحو 50 % من النمو المعرفي يتشكل عند الطفل خلال السنوات الأربعة الأولى من حياتـه فـي المنـزل( 2 ).فمما لاشك فيه أن للأسرة الدور الأكبر في توجيه سلوك أطفالنا وزرع بذور التسامح، التَقبل، العداوة، التطرف، وتحديد طبيعة حياتهم المقبلة.

 

-شاهد هذا الفيلم القصير عن التنشئة الأسرية ودورها في تشكيل معتقدات الأطفال:  جدران

 

  • كيف يجعلنا آباؤنا أكثر تطرفاً؟ 

نشهد اليوم في مجتمعنا الكثير من الأعمال التخربية بل والإجرامية، مما فيها افتقار للإنسانية وانتشار مفهوم الشيئية في علاقاتنا اليومية.  

 

  • الشيئية : Reification

مصطلح معرفي يشير إلى تحول الإنسان إلى شيء، بمعنى تحول جميع العلاقات بين الفرد والفرد، وبين الفرد والمجموع إلى علاقات شيئية لا إنسانية، لا تتسم بصفة القداسة أو القيمية، ولا تخضع لمعايير إنسانية، إنما تخضع لمعايير المادة ورأس المال ونحو ذلك .

 

ومن هنا نطرح السؤال، ماهي أسباب تلك الأعمال؟ ستخرج معنا مجموعة من الإجابات التي تفتقر لأهم سبب وهي أساليب الأسرة التربوية. ومن هذه الأساليب التقبل، الرفض، الحماية الزائدة، التشدد، الاستقلال، التسلط، الإهمال، التفرقة، التساهل، التذبذب، التسامح، والتدليل.

  • التقبّل: هو من أهم الاحتياجات الإنسانية، يشعر الأبناء من خلاله بتقبّل الأسره لهم مما يحقق الأمان الأسري، ويعزز الثقة بالنفس لدى الأبناء ويجعلهم يتصفون بالاتزان الانفعالي وتنمية روح المرح والمشاركة بالأنشطة الإجتماعية.
  • الرفض: يعد من الأساليب اللاسوية في تنشئة الأبناء، ويتمثل في رضوخ الابن للقواعد والقيود والأنظمة دون مناقشة لأن الآباء لهم رؤية أفضل من رؤيته، مما يشكل اضطرابات نفسيّة لدى الطفل نتيجة الذم والسخرية والنقد الذي يتعرض له أمام أقرانه، كما أن الأسر التي تستخدم أسلوب الرفض والسيطرة، تنشئ أبناءً عاجزين عن اتخاذ القرارات أو حل مشكلاتهم التي تصادفهم في الحياة.
  • الحماية الزائدة: وهي عدم ترك حرية للطفل بالإختيار أو الإستقلالية، وتعليمه منذ الصغر أن يعتمد على الآخرين في كل شيء، مما يولد فقدان الثقة بالنفس لدى الفرد وعدم الاكتراث واللامبالاة في مواقف الحياة. 
  • التسلط والتشدد: هو أسلوب القمع الأسري للطفل، أي ميل المربي في عملية التنشئة الاجتماعية إلى التشدد والتصلب، من خلال التوبيخ والنهي، واستخدام العقوبات الجسدية ضد الطفل والعقوبات النفسية.
  • الاستقلال: يتمثل في تشجيع الأبناء على اتخاذ القرارات الخاصة بمستقبلهم، وهو من الأساليب الإيجابية في تنشئة الأبناء.
  • التساهل والإهمال: انعدام الاهتمام بحاجات الطفل الشخصية والإنصات له، أو توجيه ونصح الطفل، وعدم التواجد معه في مشكلاته ونجاحاته 
  • التفرقة: هو التفضيل و المحاباة والتحيز وعدم المساواة بين الأبناء جميعهم في الرعاية والاهتمام ويكون التفضيل بينهم على أساس المركز، الجنس، السن، اللون، المرض أو لأي سبب آخر، ويكون السلوك الوالدي المتحيز بينهم بأن يبدي الوالدان أو أحدهما حباً أكبر للابن الأكبر أو الأصغر أو يفضل الذكور على الإناث أو العكس، أو أن يعطي أحد الأبناء أولوية وامتيازات مادية أو معنوية أكثر من باقي إخوته، مما يولد الكراهية والحقد بينهم، وينمي عندهم الغيرة، وتظهر أعراضها السيئة في المستقبل مثل الكراهية بصفة عامة وعدم الثقة بالجنس الآخر، وهذا بدوره يؤثر على النمو المتكامل للفرد، ويجعله يشعر بالظلم والقسوة ويتقمص ذلك في سلوكه مع الآخرين، وتكوين اتجاهات سلبية نحو الوالدين، وكراهية الأخوة والأخوات لبعضهم البعض.

 ومن شأن ذلك أن يؤدي إلى شخصية أنانية تعودت أن تأخذ دون أن تعطي، وتحب أن تستحوذ على كل شيء لنفسها أو على أفضل الأشياء، حتى لو كان على حساب الآخرين. 

  • التذبذب: هو معاملة الوالدين لسلوك الأبناء حسب المزاج الشخصي، مثال: عندما يبدأ الطفل بالحركة ويقوم بضرب أحد الوالدين، فيجدهما يضحكان لذلك السلوك،  لكن إذا كرر الطفل نفس السلوك في وجود زوار فإن الأبوين أو أحدهما غالبا ما يعاقب الطفل أو ينهرانه على ذلك السلوك، مما يشتت الطفل ويجعله غير قادر عن التمييز بين الصواب والخطأ.
  • التسامح والتدليل: يتمثل في تلبية جميع رغبات الطفل المهمة وغير المهمة دون تأخير أو تأجيل، مما يسبب الغرور والأنانية وحب التملك وعدم تحمل المسؤولية لدى الطفل.

 

تكون معظم هذه الأساليب نتيجة لحياة وتجربة سابقة لأحد الوالدين أو كليهما - تجربتهم تكون تبريراً لأفعالهم، فمثلا، نجد الأب المعنف يمارس العنف والتسلط على أولاده فيخرج لنا ابن يحرم أخته الصغرى من التعليم، طفل يضرب زميله في المدرسة، شاب يقتل صديقه لخلاف بسيط، مدير يتحرش بالعاملات لديه، ووالد مرة أخرى يمارس العنف والتسلط على أبنائه، هكذا هي شجرة ذات بذور فاسدة تستمر بالنمو وإغراق المجتمع.

 

وفي السياق نفسه يقول المفكر ابن خلدون: إن القسوة في معاملة الأطفال تدعوهم إلى المكر والخبث والخديعة.

 

من زاوية أخرى، نجد الأم من شدة حبها وحرصها تتبع أسلوب الحماية الزائدة والرفض اعتقاداً بأن هذا هو الأسلوب الأمثل لحماية أولادها، فينتج عن هذا، فرد معقد نفسيا، فتاة تخاف المجتمع وتنظر للجميع كأنهم وحوش، تقبل الإحباط، لاتتحمل المسؤولية، تنبذ من يخالفها الرأي.

وحادثتي مجزرة نيوزيلندا التي ذهب ضحيتها معتنقي الدين الإسلامي، فقط لكونهم مسلمين، وتفجيرات سريلانكا التي ذهب ضحيتها معتنقي الدين المسيحي، فقط لكونهم مسيحين، كفيلتان بالتحدث عن إتباع أسلوب التشدد والإهمال في التربية، لأنه في ظل وجود أكثر من 4300 ديانة تقريباً في العالم لايحق لنا تربية أولادنا ليكونوا متطرفين في المستقبل.

 

في ظل وجود أكثر من 4300 ديانة تقريباً في العالم لايحق لنا تربية أولادنا ليكونوا متطرفين في المستقبل

 

إقرأ هنا أيضاً:

-مجزرة نيوزلاندا

-تفجيرات سريلانكا

-https://marebpress.net/articles.php?id=14270

 

"نحن كلنا مرتبطون ببعضنا البعض، ما يوحدنا هو إنسانيتنا المشتركة. لا أريد تبسيط الأمور أكثر من اللازم، لكن معاناة الأم التي فقدت طفلها لا تعتمد على جنسيتها أو عرقها أو دينها. سواء كنت أبيض أو أسود، غني أو فقير، مسيحي أو مسلم أو يهودي, الألم هو ألم والفرح هو فرح." ـ ديزموند توتو

 

وهنا نجد أنفسنا أمام معادلة اجتماعية معقدة ، فالإفراط في القسوة والصرامة والإهمال مما يؤدي إلى الانسحاب الاجتماعي والانطوائية والإرهاب، والإفراط في التدليل وتلبية جميع الرغبات يؤدي إلى الوقاحة وضعف الشخصية والتنمر، وإما أفراد مصابين بمتلازمات مثل الزينوفوبيا واللودوكسوفوبيا.

 

  • زينوفوبيا (Xenophobia): هو مرض نفسي، حالة من الخوف والكراهية، والاحتقار ضد الغرباء والمختلفين وهو نوع من أنواع الرهاب و الشخص المصاب بالزينوفوبيا (رهاب الأجانب)، يميل إلى عدم الثقة بالاخرين وقد تصل العنصرية 

 

  • اللودوكسوفوبيا: يعني الخوف من اراء الآخرين، هي حالة خوف من التعبير عن الآراء والاستماع الى آراء الآخرين كذلك، ويسبب لهم الأمر نوبات فزع شديدة وانعزال عن المجتمع خوفاً من آراء الناس.

الحلول ليست حلولا فضائية، الأبناء بحاجة إلى حقوقهم.. هم بحاجة إلى الحب، العطف، الإنسانية، الحرية، السلام .. لينتج لدينا أبناء أَسْوِياء وأكثر إنسانية.

إقرأ أيضاً: 

فيصل-بن-عبد-الرحمن-بن-معمر/التعايش-خيارنا-من-أجل-المستقبل

 

أخيرا، احذروا من كلماتكم البسيطة، توقفوا عن إسقاط حيواتكم على مستقبل أبنائكم، توقفوا عن جعل أبنائكم أغبياء، توقفوا عن الغناء لهم منذ يومهم الأول ب " يالله تنام، لدبحلك طير الحمام"، توقفوا عن زرع بذور التطرف والعنف والعنصرية بدون قصد فيهم، وساعدوهم على التجدد والبقاء. 

لأننا كلنا في هذه الحياة معاً 

 

أنتج هذا المقال من برنامج الإقامة الفنية