83

مُعضلة الحُب ل جمانه برهم

 

 

لم يكن التقدم لخطبة سما أمرا مرعبا بقدر ما أصبح بعد محاولة أحمد الارتباط بها، مجرد أصدقاء لمدة عام كامل مع حوارات بسيطة حول نوع الكتب التي يقرأونها أو المخططات العشوائية لمستقبل كل فرد منهم، أو حتى ما يتعرضان له من ضغط عمل، لم تتوقع سما أن جملة سخيفة من نوع "لقد أخبرني شخص من الأصدقاء أنه سوف يتقدم لخطبتي، لكني مترددة جدا" ستؤثر فيه، ليرد أحمد عليها: لا يا سما، لا أتوقع من فتاة مثقفة مثلك أن تقبل بزواج تقليدي بتلك الطريقة هو صديق لا تعرفيه أبدا، سوى أنه من ضمن المجموعات المطالبة بالإصلاح، اصبري يا سما في الحياة الكثير من المفاجئات ثم إن هناك أمرا أردت إخبارك به لكنني بحاجة إلى لقائك، هل ذلك ممكن؟

سما: أنت تعرف يا أحمد ظروفي الأسرية، لن تسمح لي أمي الخروج من المنزل وحدي أبدا، أحمد: ومن سترسل معك؟، سما:أختاي الصغيرتان، أحمد: حسنا لا بأس تعالي معهما إلى المكتبة العامة وأدخليهما إلى قسم الأطفال والتقي بك عند باب المكتبة، سما: حسنا، سأحاول.

في اليوم التالي حاولت سما الخروج لكن والدتها لم تسمح لها لأن أختيها منشغلتين بدرس ديني في ذات الوقت وعندما تمكنت من الاتصال للاعتذار من أحمد كان واقفا على باب المكتبة ينتظرها من نصف ساعة وهو قادم من مسافة ساعتين عن المدينة، سامحني يا أحمد كان يتوجب علي الاعتذار باكرا؟، أحمد:لا بأس يا سما، تدركين ما أريد قوله عن لقائك، وإن كان يتعذر اللقاء خارج منزلكم فأنا أريد زيارتك في منزلك، سما: مالذي تقوله يا أحمد، بأي صفة؟، أحمد: ما الذي تقترحينه إذا، سما: إن كنت مصرا فعلينا أن ندعي أنك تريد رؤيتي بشكل تقليدي بغرض الارتباط وسيسمح لنا بالجلوس لوحدنا بضع دقائق، أحمد: وهذا ما أريده يا سما، أنا أهل لما سأقوله لك، إنني أميل إليك وأطلب منك رقم والدتك لنسير حسب الأصول.

سما من أسرة محافظة لا تختلف كثيرا عن أسرة أحمد، إذا التقيا في الجامعة  ومواقع التواصل الاجتماعي حيث المساحة الأوسع للتلاقي مع الاختلاف والتنوع الفكري، ضمن فعاليات واعتصام مستمرة له مطالب تتعلق بالعدالة الاجتماعية خاصة في التعليم والرسوم الجامعية الآخذة بالارتفاع، ظهرت شخصيات تباينت لتقبل التنوع أو رفضه فمن الرفض المطلق الراديكالي لكل ما هو مختلف،  إلى من صاغ مساحات متعددة تستند لمعتقداته وأفكار محددة تفتح مجالا للتقبل لحد معين يُرفض بعدها حق الآخر إما باسم المنطق العقلي الخاص به أو باسم الحق المطلق الغيبي، ودون نفي لحق كليهما في الخيارات الخاصة إلا أن حدود الرفض تنبع من دوائرهم الخاصة عوضا عن التقبل العام الكلي لكل ما هو مختلف.

رغم كون أسرة سما تصنف نفسها إسلامية إلا أنها اختارت توجها مختلفا والتقت مع أحمد في أول الأمر حينما عرفها به صديقهما المشترك ذو التوجه العلماني الراديكالي إلى بعضهما ليكونا جزءا من الشبيبة في الجامعة، مجموعة صغيرة جدا تجلس في الجامعة يحددون موضوعا ويتحدثون عنه، لم تتمكن سما من حضور الكثير من تلك الاجتماعات بسبب تعارض وقتها مع محاضرتها، لكنها استمعت لشرح أداة التحليل الرئيسية للمجموعة المادية الديالكتيكية والمادية التاريخية واستمعت لنقد الوجودية، شاركت في وقفاتهم الاحتجاجية الخاصة، وعند تخرجها من الجامعة تعرضت لمحاكمات من أسرتها التي لم تتقبل توجها بعد معرفتهم به وفرض عليها محدودية الحركة في كل شيء.

إذا تقترب أم سما منها قائلة: سما لقد أمسكت هاتفك قبل قليل ووجدت غريبا وعند وضعه على التروكولر ظهر اسم بحثت عنه على موقع الفيس بوك ولم يعجبني، سما: لماذا لم يعجبك يا أمي، الأم: لأن أحد أصدقائه يناديه يا رفيق! وأنت تدركين أن مثله لا نريد معرفتهم، سما: أمي لا أعرف، لقد طلب مني قم هاتفك وأعطيته، لا أظن أنه سيتصل.

لم يكن اتصال أحمد واحدا بل ثلاث محاولات على أمل أن يوافق أهل سما على استقباله، في الاتصال الأول اعتذروا بحجة الانشغال بالاتصال الثاني أخبروهم أن بإمكانهم القدوم بعد يومين وفي ذات يوم الموافقة وقبل مضي النهار اتصلت والدة سما وألغت الموعد وعبرت لهم عن رفضها الكامل لوجودهم والسبب أنها وجدت آراءه المكتوبة على الفيس بوك قبل سنوات تناقض توجهاتها السياسية التي تمزجها بالإيمان بالتالي اعتبرته ملحدا دون حتى أن تمنحه فرصة للدفاع عن نفسه، صرخت بوجه ابنتها هل تقبلين بشخص يرفض أفكار ابن تيمية وعلماء المسلمين هل تقبلين بشخص يشتم أسرتك!، وسط صدمة سما التي لم تجد ما تعبر به وبدأت التساؤلات الغريبة في عقلها فهي لم تعد تجرؤ على التصريح، لماذا يرفض شخص لخلافات فكرية؟، تدرك أسرتي أنني لا أشبههم لماذا ألزم بالارتباط بمن يشبهونهم إذا؟، لماذا يعتقدون أن من لا يشبههم كافر!.

عاشت سما خلال الشهرين التاليين ممنوعة من استخدام الهاتف ومن الذهاب للعمل ومن ممارسة أي نشاط سوى الجلوس وحدها مع هواجسها أي غد هذا ذو لون واحد وتوجه واحد يمنع فيه خلق أسرة إن كانت ستشذ عن الطريق المرسوم مسبقا، محاولات عديدة للتواصل مع أحمد الذي وعدها بمحاولة جديدة مع أهلها لكن شعور الحب الذي نما في داخلها سريعا أكله الخوف، مخاوف كثيرة من حزن الأم ومقاطعة الأهل وكلام الناس وضغط المجتمع، ماذا تبقى من أناي؟ تساءلت سما؟، لقد انتهيت كليا لم يتبقى مني شيء.

بعد فشل محاولة أحمد الأخيرة في إقناع أسرة سما، تمكنت سما من تبادل بعض الإيميلات مع أحمد:

حبيبي

رغم جفاف كلماتك والتباس شعورك نحوي، ورغم حبي الذي لا يزال جارفا و متوجسا من احتمالية بعدك والفراق إلا أن سكونك الداخلي وهدوء روحك هو ما أنشده، وسعادتك جزء من سعادتي، في العمل لهو عن تشوهات الحياة ليت العمل بمتناول يدي لقد مُنعته، أؤكد لك ليس ذنبك بل من حماقات سابقة، تتمنى العودة للعمل وأتمنى الهجرة ولو مع أسرتي لأن الأرض هنا تخنقني، لأجلي أخرج أكثر مع الأصدقاء والصديقات، سر صغير لا جدوى منه الآن غرت من رنا كثيرا حدثها ربما حديثها يريحك، أكتب واقرأ في النهاية ورغم كل الإحباط لديك الحق في أن تعيش حياة تشبه الحياة في أن تخرج وحدك إن أردت ومتى أردت في أن تبكي في الزوايا وحيدا دون حصار الأسئلة في أن تشم البراري مع من أردت أن تسافر ربما هناك قمع مشترك لن تستطيع أن تتزوج ممن تحب وربما تستطيع من يدري يا روح الروح، كيف أحوالي؟ كما هي إن بكيت سئلت ما الجديد المريب وإن ضحكت كرر السؤال وكأن علي أن أبقى بمزاج معتدل أو بلا مزاج كالآلة تماما، لم أتمكن من الألفة مع كوني آلة ربما المنع عن العمل يزيدني إنسانية ويصعٍب الانتقال، لو كان لدي بطاقة هاتف لتمكنت من محادثتك الكثير من الهواتف في المنزل دون بطاقة، سأتمكن ذات مرة أثق بذلك.

لا أستطيع أن أتخيل حياتي بدونك كلمة مراهقة ومبتذلة ولكن كلما شعرت باحتمالية بعدك تقفز لي تلك المشاعر لم أعد أفهمني نحن فعلا بحاجة لإنجاز شيء ما العمل، ربما الآن أفهمك بشكل أفضل عندما قلت لنعش الحب ولو أنه حب عن بعد لا يستقيم معه الشعور، لكني أحبك بشدة تعذبني.   

لن أتزوج أبدا ما لم تكن أنت، أنانية أنا لا أريدك أن تتزوج ما لم أكن أنا من سأزف إليك، لن تُسمع قصائد مظفر النواب لأحد غيري، أنا أو لا أحد.

لا تكترث لما أكتب ما يهمني شيء واحد فقط راحتك، كيف السبيل إليها؟ ما عساني فاعلة؟ هل البعد المؤقت يريحك؟ البعد الكامل؟ أم إعادة تعريف العلاقة من جديد؟ أم قربي؟ الزواج؟ أم هو العمل فقط.  

حبيبتك

تحدث سما دواخلها قائلة، أعود وحيدة أكرر الوعود الدائمة بتقديس الوحدة والحفاظ عليها وأسقط في أي اختبار عابر لكن في القصة المؤلمة لم يكن اختبار عابرا ولا عادلا وكنت كما أنا دائما مفعول به ساقط لا بلا ذرائع أودع جمالية المشاعر التي تمسكت بحفي بها نحو التحول الجديد إلى آلة أو المحاولة الجديدة التي آمل نجاحها الى نسخة من ألاف النسخ التي تعيش لأنها لازالت تتنفس بلا مشاعر لن يكون الجسد جزا من مخيلتي رغم  عجزي الكامل عن تجاوزه لكني حتما سأجد ما يطفئه. اختراعات البشر أدوية الامراض النفسية السامة ستوقف الرغبة والشعور سيتحول كل شيء الى سيان، لن يعود اللامعنى شعور في عالم الأفكار بل ما هو معاش نفسي اتخلص من الذهان ولا أي أمل في الابداع انا لا شيء بدرجة بائسة.

 

وسائط متعددة ذات صلة