هذا المنشور تمت مشاركته في:

مقالات

755

مقالة عن الميراث، معضلة ميراث المرأة- لنور الدين

كتبها نور الدين - للمزيد يرجى الإطلاع على المدونه  على الرابط في الاسفل  

 

يدور جدلٌ سطحيّ حامي الوطيس في الآونة الأخيرة حول خطوة قانونية تونسية تعطي المرأة مثل نصيب

الرجل في الميراث، وقد أقرت الحكومة مشروع القانون ونحن بانتظار عرضه على السلطة التشريعية، وكما هي العادة في المجتمع الحديث يلجأ الناس إلى محركات البحث لجمع معلومات سريعة من أول رابط يعرض لها، فيقرؤون ما لدى المدوّنة الفقهية الشائعة، وما لدى “المجدّدين” عن هذا الأمر، ثم يعودون لوسائل التواصل ليتراشقوا التهم فيما بينهم.

قبل الدخول في تفاصيل الأمر ومعناه العميق، لا بدّ أن نوضّح بعض الأمور حول هذا النوع من القوانين:

  • يستطيع أي مورّث أن يقسّم ميراثه في حياته، فيعطي ابنه الذكر نصيب أختيه، أو يقسمه بينهم بالتساوي، أو يحرم أحد بنيه، أو يتبرع بميراثه إلى مشروع خيريّ، ولذلك فإن القوانين هذه تأتي ويأتي معها طرق الالتفاف عليها.
  • القانون الذي يزمع إقراره في تونس يترك للمورِّث حريّة الوصية في اختيار طريقة تقسيم الإرث، إمّا حسب المذهب الفقهيّ المتّبع، وإمّا حسب القانون المدنيّ.
  • في الأردنّ مثلا، إذا أجمع الورثة على تقسيم الإرث حسب القانون الفرنسيّ (قانون أردنيّ منقول من القانون الفرنسيّ) فلهم ذلك. الفرق بينهما يكمن في الوضع الابتدائيّ، أي أنّ التقسيمتين ممكنتان في كلا البلدين، لكنّ الذي اختلف هو ترتيب الخيارات في حال عدم وجود وصية.
  • أكبر النافذين في ساحة السياسة التونسية هو حزب النهضة، وهو حزب إسلامويّ، يعدّ فرعا من جماعة الإخوان المسلمين.

باعتبار ما سبق، فإن علينا أن نقتصد في الفرحة أو الغضب بسبب هذا الخبر، فهو لا يعني وصول تونس إلى لحظة المساواة القانونية التامّة بين الرجل والمرأة.

مما يجدر التطرق إليه ما يعرض لمستخدمي محركات البحث من بعض الأقوال التي تبرئ الشريعة الإسلامية من الحكم المشهور في الإرث بكون الذكر له مثل حظّ الأنثيين، ومنها تفسير الدكتور المهندس محمد شحرور الذي يعدّه كثير من الناس تفسيرا عجيبا لهذه الآية.

(للمزيد عن فكر الدكتور محمد شحرور، يرجى قراءة المقال الآتي بالضغط على عنوانه: لغز القرآن | ما الخطأ في طرح شحرور؟)

دافع عدد من المفكرين الإسلاميين عن القضاء الفقهيّ الإسلاميّ بقولهم: إنّ إعطاء الذكر مثلَيْ نصيب الأنثى من الميراث، لا يعني وضع المرأة في منزلة أدنى من الرجل، فهذا جزء من منظومة متكاملة توجب على الزوج دفع المهر لزوجته، والإنفاق عليها وعلى أبنائه، وبهذا فإن المساواة حاصلة بين العائلات، وإن لم تكن حاصلة بين الأفراد ذكورا وإناثا.

لكن الغريب أنّهم عندما يقولون ذلك لا يحضرهم قضاء الشريعة الإسلامية في الديّة، إذ قرّر فقهاء المذاهب الأربعة، مع وجود شذوذ نادر، أن دية المرأة أو الطفلة المقتولة خطأ نصف دية الرجل أو الطفل الذكر. وأن شهادة الرجل في القضاء تعدل شهادة امرأتين. وهذا فيه نمط متصل يعني أن الفقه الإسلاميّ التقليديّ يرى المرأة فعلا نصف رجل، في الشهادة والميراث والدية.

لكنّ مفكرين إسلاميين آخرين، وإن كانوا قلّة، يرون رأيا آخر، إذ هم ينظرون في التاريخ الإسلاميّ والعربيّ فيرون أن عداد المرأة نصف رجل له أصل جاهليّ سبق الإسلام، وهذا في قضاء القاضي العربي المشهور عامر بن الظرب العدوانيّ، فهو أوّل من قضى بهذا، وجاء الإسلام ليقرّ حكمه كما أقرّ أحكاما أخرى.

هنا ينظر المفكرون إلى طريقة الإسلام في تقرير الأحكام، بكونها تعميما للحكم الأكثر شيوعا، أي تحويل العرف المجتمعي الأكثر قبولا إلى قانون عام، وضمن هذه النظرة نجد عددا من الصحابة والتابعين والفقهاء الإسلاميين على طول العصور، إلى العصر الحديث، يرون أن عيار الأحكام هو الصلاح وليس النص، وعلى رأس هؤلاء أمير المؤمنين عمر بن الخطّاب مؤسس الدولة الإسلامية الفعليّ، فهو قد عطّل نصوصا، وأنفذ آراء رأى فيها مصلحة المسلمين، وإن لم يوافق عليها النصوصيون.

وهذه نظرة خطيرة إلى الفقه الإسلاميّ، فهي تجعل المؤمنين (المواطنين المتعاهدين على الأمن) مصدرا للتشريع ضمن حدود الله (أي أن الأغلبية مثلا لا تستطيع أن تطغى على الأقلية فتسلبها حقها بسبب رجحان كفّة التصويت)، ما يشبه النظام المعمول به في عدد من الدول العلمانية، إذ للتصويت احترامه ما دام لا ينقص من الحقوق الأساسية للأقليات، ولا يميّز بين المواطنين على الأسس المختلفة.

ثمة حديث آخر هو أهمّ من كل ما سبق الكلام عنه، وهو شأن من شؤون فلسفة القانون والقضاء، يحسن إجماله هنا، على أن نفصّل فيه لاحقا:

لو كانت المناشط الإنسانية محدودة لكان من الممكن استبدال حاسوب مكان القاضي، ندخل إليه القوانين المعمول بها، وندخل إليه حيثيات القضية، فيفصل هو بين المتخاصمين، لكن المناشط الإنسانية غير محدودة، واحتمالات الخلافات أكثر من أن تحصى، ولذلك فإن روح القانون تغلّب على نصّه، حتى أنّ بعض الدول تفتقر للقانون المكتوب، وتلجأ حصرا إلى الإرث القضائي، فيسترشد القاضي بأحكام من سبقه من القضاة، محاولين إحقاق ما يرونه حقّا، ولا يكون القانون هنا إلّا طريقة للحدّ من نفوذ القضاة، فيشرّع أقصى عقوبة مسموحة، وأقل عقوبة مسموحة. ويترك للقاضي أن يجتهد في ثبات إسناد الجرم للمجرم، وانتقاء العقوبة التي فيها صلاح الناس.

نختم بأن على المجتمع المسلم أن يعي أن الفقه ليس كائنا جامدا، ولم يكن كذلك إلى أن حوّله التهجين مع القوانين الأوروبية إلى نصوص جامدة، ولو تخيّلنا أبا حنيفة بيننا اليوم، ينظر للمرأة فيراها تعمل كعمل الرجل، وتساهم في دخل الأسرة كالرجل، ورأى الأبحاث العلمية التي تهمّش أثر الفارق بين دماغ الرجل ودماغ المرأة، وما إلى ذلك، فإننا قد نتخيّله يؤيّد المساواة التامّة، غير آبه بما يراه النصوصيون، البعيدون عن روح القانون وروح الشريعة الإسلامية.

 

 

كتبها نور الدين - للمزيد يرجى الإطلاع على المدونه  على الرابط التالي

 

وسائط متعددة ذات صلة