472

قصة قصيرة :شهيدا السلام

كانت تلك الحربُ مستعرةً بين ذوي الشعر الأشقر والشعر الأسود، لم تتوقف تراشقُ الاتهاماتِ بين الطرفين بالبشاعة، وحُفِرت خنادقُ الحقدِ بعمقٍ حتى اختبأ الجميعُ عن الجميع، وبقي الجهلُ سيّدَ الموقف.

 

في يومٍ من الأيام قرر أحدُ الجنودِ من معسكر الشعر الأشقر أن يتنكرَ حتى يغادر معسكره باتجاهِ الأعداء، أراد أن يخرجَ من مخبئهِ ليرى النور الذي لم يرهُ من ظلمةِ الجهالةِ التي أغدقت نفسهُ بتأثير مجتمعه.

 

في ليلِ ذلك اليوم أعدَّ نفسه وصبغَ شعره،ثم نجحَ بالتسللِ لذلك المعسكرِ الذي يضمُ أعدائه، تساءلَ بنفسه: هل هم بشرٌ مثلنا؟

 

حاولت نفسه انتزاعه وارجاعهُ لما كان عليه، مع ذلك بقي ليكتشفَ صحةَ مخاوفه، نظرَ لمن حولهُ ليجدهم بشراً مثلهم بطبائعٍ وعاداتٍ أخرى فقط، وجد أيضاً نفسَ خِطاب الكراهيةِ الذي كان بمعسكره، اكتشفَ حقيقة المخاوفِ التي يزعمها الطرفان وذرفَ دمعةً على رثاء الذات فقد كان مغفلاً بالعنصريةِ الحمقاء.

 

مسحَ دمعتهُ ونظر لجانبهِ ليتناولَ منديلاً من فتاة رأته وهو في تلك اللحظة، كانت جميلةَ المنظر بخصلاتٍ  سوداء، بتلك العينين البنيتين.

لم يدرِ ما أصابه، لقد أحبها كأنهُ يعرفها منذ الأزل.

سألته:لِمَ الدموع؟

قال:لا أدري.. أغاظني كلامهم

أكره كلَّ تلك العنصرية ...

ردّت عليه :اخفض صوتك

سيقتلونك إن سمِعوا كلامك

ردَّ هوَ: لم يعد يهم

ردّت عليه: لا أعلم لِمَ أقول لك ذلك لكنني أريد الهرب من هنا...

هل تهربُ معي؟

نظر نحوها بتعجبٍ

مسك يديها وقال:لم أقل لكِ ذلك

لكنني أحبك.

نظرت للأرضِ خجلاً ثم رحلت.

توالت الأيامُ وتوطدتِ العلاقة بينهما حتى تزوجا.

 

كان الشابُ مستاءاً من داخله لأنه يُخفي حقيقته عنها وفي يومٍ من الأيام جاءتهُ الشجاعةُ ليُصارحها .

قال لها: أريد أن أخُبِركِ شيئاً عني.

قالت: تحدث  

قال: أنا من أصحابِ الشعر الأشقر و هربتُ من معسكري كما كنتِ ستفعلين.

ردت عليه  بصفعةٍ على وجهه : لِمَ كذبتَ عليّ، سيقتلك كلُّ من بمعسكري.

 

لم تُنهِ كلماتها حتى سمِعا صوتَ الجنود على الباب يريدون الشابَ فقد كُشِفَ أمرُه، أرشدته ليهربَ ولكنهم أمسكوهُ ورموهُ بالسجن.

 

كان التعذيبُ هو الثمنُ الذي لقيه، ليموتَ بالنهايةِ على أيادي العنصريةِ البغضاء، أما زوجتهُ التي بكتَ من حُرقةِ ما حصل مسحتْ دُموعها،

 أرادت أن تُرسِلَ رسالةً أخيرةً لِكلا المعسكرين، أن تُنهِيَ ذلك الصراعَ المسعورَ إلى الأبد.

 

خرجت من خندقِ معسكرها وهي تحمِلُ راية المعسكرين بساريةٍ واحدة وتُلّوحُ بها عالياً وتمشي نحو الخندقِ الآخر، تعالت التحذيرات لها أن ترجِع، لم تُعر أيَّ أنتباهٍ لأيٍ من كلماتهم واستمرت مجتازةً سياجَ الكراهية، لتغتالها رصاصة حاقدة ولِتسقُطَ أرضاً.

 

بقي بها أنفاسٌ جعلتها تُحاول تثبيت السارية، فعلتها ثم لفظت أنفاسها على مرأىً من الجميع.

صُعِقت أنفاسُ الشرفاءِ من كلا المعسكرين ونزلت دموعُ التوبةِ من كِلا الفريقين.

 

خرجَ الجنودُ باتجاهها وهم يتجاهلون  أوامرَ القادةِ الذين فرّقوا الجموعَ بكلماتهم، التقى الجميعُ عندها، تلك الفتاةُ رفيقة ذلك الشاب، كلاهما ماتَ من أجل السلامِ والحب.

 

دُفن الإثنان معاً، أزهرت زهورُ التصالحِ على قبريهِما، عاد الودُ وزالت تلك الخنادقُ مع الزمن.

 

جاء جيلٌ تلو الآخرَ ليتعلم من تلك القصة، ليهدموا بناءَ الظُلم والكره وليزرعوا أشجارَ التعايشِ والسلام.

 

فلا فرق بين أشقرٍ ولا أسود ولا عربيٍ ولا أعجميٍ إلا بالتقوى، قالها محمدٌ بن عبدِ الله عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم من قبل.

 

تلك هي الرسالةُ التي من أجلها ماتَ العاشقان وتلك هي الرسالة التي يجب أن تبقى بقاء الأنفاس، مدامةَ الحُبِّ والتسامح.

#الخطاب_البديل

وسائط متعددة ذات صلة