139

ديننا هو إنسانيتنا

هاجرت عائلة الطفل عبد الرحمن بعد مضي ثلاث سنوات على الحرب في سوريا متجهين إلى المجهول بالنسبة لهم ، سائلين الله عزوجل أن يحفظ لهم طفلهم عبد الرحمن وهو الناجي الوحيد بعد موت إخوته الثلاث في الحرب ، لم يدرك والد عبد الرحمن أي جهة سوف يسلكها إلى أن قرر المضي إلى ألمانيا التي كانت الملاذ الأخير لهم وكأنها وطنهم الثاني.

أقبل المستقبلين للسوريين على تقديم المساعدة بدءاً من الطعام إلى تأمين المسكن والحرص على سلامتهم الجسدية، وبالرغم من كافة الرعاية التي قدمت لهم، إلا أن والد عبد الرحمن والذي يمتلك مهنة حرفية استغلها في البدء من جديد كمواطن في المانيا، فأصبح يعمل ليلاً ونهاراً من أجل تأمين حياة أفضل لزوجته وطفله، وهذا فعلاً ما حدث عندما فَتح الله عليه ليٌعرف في مهنته المتمثلة في طلاء البيوت  ولينتقل بعدها إلى بيت في منطقة سكنية راقية.

كان عبد الرحمن وهو في العاشرة من العمر جالساً مع والدته في الحديقة عندما رأى أطفال يلعبون سوياً في حديقةٍ مجاورةٍ،  شعر عبد الرحمن بالوحدة وأشتاق لأخوته، لاحظت والدته الأسى على  طفلها ، فأمسكت بيده وقالت له تعال نُلقي السلام عليهم.

جاءت الأم وطفلها ليُعرفا عن نفسهما أنهما من سوريا، رحب الأطفال بهم بحرارة وأخذوا عبد الرحمن ليشاركهم اللعب، وبعد مضي ساعتين عاد عبد الرحمن إلى بيته وهو يشعر بالفرح والسرور، فقد استطاع في هذا اليوم أن يكسب ثلاثة أصدقاء جدد يشاركهم اللعب ويشعر بأنسهم في غربته.

بعد مضي أسبوع...

دعاه أحد الأصدقاء والذي يدعى تشن لي إلى حفلة ميلاده يقيمها يوم الخميس في منزله، وهناك التقى عبد الرحمن بأصدقائه الثلاثة، منهم صديقه صاحب الحفل الصيني، وجورج وميخائيل، كانت الأجواء في الحفلة شيئاً غريباً لم يعتد عليه سابقاً، فما رآه هناك لم يستطع عقله تفسيره، وخاصة تلك التماثيل البوذية الموجودة في المنزل، وفي أثناء الحفل اتفق  الأصدقاء على الإلتقاء يوم السبت للعب معاً في الحديقة، إلا أن ميخائيل اعتذر عن عدم الحضور لكونه سيذهب إلى الصلاة في الكنيس مع عائلته.

انتهت السهرة وعاد عبد الرحمن إلى منزله وهو مثقلاً بالكثير من الأسئلة التي تدور في ذهنه،  وما أن جلس مع والدته التي بادرت بسؤاله عن الحفل حتى أخبرها بما رأها في منزل تشن لي، وبادر إلى سؤالها عن صديقه الذي أخبره أنه بوذي الديانة،  متعجباً سائلاً ما هي الديانة البوذية ؟ تفاجأت الأم من ديانة صديقه ، إلا انها لم تًظهر ذلك لعبد الرحمن، وأخبرته أن البوذية هي ديانة من الديانات السائدة في العالم،  فهناك الديانة البوذية والمسيحية واليهودية، وأن الديانة البوذية تعود لبوذا الذي تبنى مجموعة من الأفكار التي تدور حول السلام ونشر الخير ومن  هذا المنطلق اتبعته مجموعة  من الأشخاص وانتشرت الديانة البوذية.

وما ان انتهت والدته من الكلام حتى بادرها بالسؤال وهل يمكنني أن أبقى صديقه وهو من ديانة أخرى فأنا مسلم أعبد الله وهو بوذي ، قالت له والدته يا بني صحيح أننا نعبد الله سبحانه وتعالى، ولكن لا ضرر من أن تصادق صديق من ديانة أخرى على أن تبقى ملتزماً بتعاليم دينك،وتابعت والدته الكلام كُلنا من سلالة آدم وكُلنا أخوة قد نختلف في العادات والأديان ولكن علينا أن نحب بعضنا ونساند بعضناً بغض النظر عن اختلافاتنا.

وفي صباح يوم السبت أخبر عبد الرحمن والده أن أصدقائه قد اتفقا على الذهاب للعب اليوم إلا أن صديقه ميخائيل اعتذر عن القدوم بسبب ذهابه إلى الكنيس للصلاة، وتابع كلامه هناك الكثير من الامور التي لا أعرفها عن أصدقائي يا والدي، أجابه والده من المؤكد أنك تريد سؤالي عن ماهية الكنيس، فقد اخبرتني والدتك عن اصدقاءك الجدد وسأحاول جاهداً أن أوضح لك أمور بسيطة عن تنوع الاديان، الكنيس يا بني هو مكان تعبد أهل الديانة اليهودية، والديانة اليهودية هي ديانة سماوية نؤمن بها نحن أيضاً ، فرسولنا موسى عليه الصلاة والسلام هو أحد الرسل المنزلين من الله لدعوته ، إلا أن الفارق بيننا وبينهم أنهم يؤمنون أن موسى عليه الصلاة هو خاتم النبيين، بينما نؤمن نحن أن رسولنا محمد هو خاتم النبيين، ولكن هذا الاختلاف لا يجب أن يكون ضد قيمنا والأخلاق التي حثنا الرسول صل الله عليه وسلم.

وفي اليوم التالي

اجتمع أصدقاء عبد الرحمن سويا ليلعبون،  إلا أن جورج تعذر عن القدوم، فسأل عبد الرحمن أصدقائه عنه ، ليخبروه أنه لم يستطع المجئ كونه مسيحي وذهب إلى الكنيسة، فتعجب عبد الرحمن من الأمر، وما ان انتهى اليوم حتى أخبر والدته متعجباً ! أمي كم ديانة موجودة في العالم، لم أعد استطيع التمييز، ضحكت والدته وسألته ما الذي تريد معرفته يا بني، قال لها عن صديقه مايكل الذي لم ياتي لكونه مسيحي.

أخبرته  أن الديانة المسيحية أيضاً هي من الديانات السماوية التي نؤمن بها أيضاً، فالمسيحيون يؤمنون بوجود الله ولكنهم يؤمنون أن سيدنا عيسى عليه الصلاة والسلام هو خاتم المرسلين وأنه ابن الله ، علم عبد الرحمن بتعدد الديانات الموجودة في العالم أجمع مع عدم استيعابه لأصول هذه الأديان ولمبادئها، ولكنه أدرك أنه يستطيع أن يلعب ويخرج معهم على اختلاف أديانهم.

بعد مضي أعوام

استقرت الأوضاع في سوريا وقررت عائلة عبد الرحمن الرجوع إلى وطنهم، كان وقع الخبر مفاجئاً بالنسبة لعبد الرحمن، فعلى الرغم من شعوره بالسعادة ، لكنه شعر بالحزن لأنه سيبتعد سوف يبتعد عن أصدقائه الذين ترعرع معهم واعتاد عليهم، وفي يوم الرحيل ودع عبد الرحمن أصدقائه ووعدهم بزيارتهم والتواصل معهم بشكل مستمر على وسائل التواصل الاجتماعية.

وسائط متعددة ذات صلة