5

الشبح يغلق الأبواب

 

 

رغم صغر حجمه إلا أنه حوّل مسار العالم بمباغتته وسرعة انتشاره؛ إنه الفيروس الخفيّ "كورونا". اجتاز الحدود، ولم يقتصر على فئة بعينها حيث بدأ سباقه معنا، وأيما سباق!
توقفت الحياة التي اعتدنا عليها وكانت تطحن بنا دون أخذ هدنة لنكتشف التصاقنا بالماديات والوسائل المصنّفة باحتياجات العصر التكنولوجي والذكاء الاصصناعي حيث تُنجز المهام عن بُعد، وقد نتوه من فقدانها.
أغلق الأبواب جميعها، ولكنه فتح أبواباً أكثر ظلمةً وزيفاً.. أبواب الإشاعات. أخذ صراعنا مع الشبح منحىً أوسع لا يشمل العلم والتجارب فحسب بل الحرب التي نشنّها على أنفسنا من منازلنا وتمسّ عقولنا؛ حرب الأخبار غير المؤكدة.
في هذه الحالة، يبدو منّا مَن يلحق الإشاعات بقصدٍ أو بغيره فما عادت تركض هي وراءنا كما اعتدنا، قد يكون من باب التسلية في الحجر المنزلي أو حتى للشعور بالرضى حين إلقاء اللوم على المسؤول عن الوباء إن وُجد. وهناك من يركّز على نشر الوعي، والبحث عن تسهيل تطبيق طرق الوقاية، وتقديم المساعدة المادية والمعنوية، ولهم كامل التقدير.
أخبارٌ عاجلة وتساؤلات نكاد لا نتحرر منها ولا نتحرى عنها حول كورونا وإجراءات التعامل معه من الناحية المادية والجسدية. لكن، يبدو أنّ للفيروس وجهاً معنوياً لاجتياحه عقولنا وتمحور أحاديثنا وإعلاناتنا حوله والعيش بتخبّط لعدم جاهزيتنا للتعامل مع الأزمات بشكلٍ عام.
وفق مشاهداتي للأخبار الزائفة المنشورة دون تحققٍ دقيق، تعزّز هذه العملية سهولة الوصول إلى عددٍ لا يحصى من المتابعين في وقت قصير وبعيداً عن الرقابة، كما سرعة الحصول على تقبّل تلك الأخبار بات غريباً بعض الشيء. فترى مَن يقرأ السطر الأول ويشاركه أحبابه دون تحليل المضمون من باب تحذيرهم ليتفاجأ أنه يخيفهم دون انتباه.
تتمايل بعض الرؤوس بعد سمّ ارتشفته من منصات التواصل السريع فترمي بافتراضات تلتهم من طاقاتنا، أَينقصنا المزيد من القلق؟!
فتحجر التضارُبات على الأمل فينا لتودي بحياة المرضى على أسرّة الشفاء بعد أن تلسع نفسياتهم بنارها، وتحرق التفاؤل في قلوب أحبابهم وهم يراقبون الدقائق انتظاراً عودة الغائبين آسفين لعدم إمكانية اقترابهم منهم أو منحهم لمسة الحب؛ فالعدوّ لا يعرف الإنسانية يغزونا إذا تفاعلت عواطفنا عن قرب، وهل ينقصنا المزيد من البُعد والحرمان؟
جاءت الشاشات لتوهمنا بالقليل من الاقتراب لكي لا نفقد حاسة التواصل بالعالم، وللأسف منصّاتها لا ترحمنا بعدّاد القراءات والتنبيهات العاجلة المفاجئة! فأين نفرُّ ؟
وقد غٌلّقت الأبواب علينا، ويعتمد أكثرنا على الأخبار لأنها المَتنفّس كما يُعتقد. لا يمكننا محاربة كورونا بالإشاعات فهي تلهينا بدلاً من أن تحمينا.

هل يُعقل أن نترك الشبح كورونا يسرح ويمرح، ونجلس نراقب الكلمات والصور ونتشاجر مَن يصدُق قوله؟!
المقال لـ براءه الجريدي