27

حينما تختار بين أن تكون ثائرا أو أن تبقى مستعبدا!

وربّي إنّ الحياة تركل الكلّ ركلا مبرّحا فلا تستثني منّا أحدا، وحتّى أبسّط الأمر؛ هي لا ترحم حتّى ذاك الذي لا يريدها ولا يأبه لأمرها، ثم وفي قرارة نفسي تساءلت وعجبت: لم هي هكذا؟ ولم تريد اختبارنا وبشدّة؟

هل لأنّها تريد أن تخرج أفضل أو أسوء ما فينا؟ أم أنّها تريد أن تلعب معنا وفقط!

لكن! ومن وجهة نظري؛ هاته اللعبة غير عادلة البتّة؟

نحن لن نفهمها أبدا ولو حاولنا ذلك، سوآء لعبنا أم لم نلعب، سواء عشنا ألفا منها، سواء حاولنا وحاولنا ولعبنا ولعبنا فلن نفوز أبدا.

لكنّ الشيء الوحيد الذي لم أفهمه والذي أثار تساؤلاتي كلّها هو؛ أهل عليّ أن أجاريها في لعبتها هاته؟  أم هل عليّ أن أقاومها وبشدّة؟ وفي كلتا الحالتين، أظن أنّي لن أسلم منها أبدا!

أعتقد فقط أنها هكذا، ونحن البشر خلقنا لهذا.

فإذا كيف السبيل؟

جرّبت أن ألعب معها وأن أخوض غمار تجربتها، فرأيت كيف أنّها عذبتني ورمتني بكلّ رد فعل لم أحسب له حسابا، وكنت كلّما قاومتها وجدتها تزداد مقاومة وتعنّتا، ثم قررت أخيرا أن أستسلم استسلام المضطر المنسحب، فرأيتها تعاملني كما عاملتني أول مرّة وأكثر، فما الذي كانت تريده منّي إذا يا ترى؟

أنا لا أفهم بعد!

فإن كانت تريد اجتهادا فقدت كنت بذلته بادئ الأمر، ثم لمّا استسلمت وتركت دفّة القيادة لها أغرتني قليلا ثمّ رمتني من على سفينتها.

وإن كانت تريد استسلاما فإني قد كنت استسلمت وسلّمت لها مفاتيح حياتي، فهي الحياة وحياتي جزء منها، لكنّها أخذتني معها على ظهر سفينتها ثم رمتني إلى قعر محيط عميق.

وحينها فقط، فهمت أنّها لن تكترث لي ولا لأمثالي من البشر، فهي ببساطة إحدى أولئك الفاتنات اللواتي يغرينك بزينتهن لتتقرب منهن، ثم حين تقترب تجدهن يبتعدن ويبتعدن، فإن فكّرت أن تتخّذ سبيلا غير سبيلهن لما حصلت عليهن أبدا.

هي الحياة، وببساطة هي دائما هكذا.

ثم وفي خضمّ غيضي وغضبي، ارتأيت أنّه يتوجّب عليّ أن أتخّذ قرارا آخر وبسرعة.

أن أثور عليها وعلى لعبتها وقوانينها ولا اكترث.

نعم! أن أتمرد عليها وأن أثور وأقود الثورة بنفسي.

يعني أن أكون ثائرا! أو أن أبقى أبد الدّهر عبدا مستعبدا وضعيفا لها ولعبتها.

نعم اخترت أن أثور وأن أكون ثائرا...

وأن أثور! يعني أنّني اخترت ألّا أكون خانعا منذ اللحظة التي اتخذت فيها قراري، أن أثور يعني أن أكسر تلك القيود التي اخترتها لنفسي أو تلك التي اختارتها هي لي على مقاسها، أن أكسرها وأن أمضي.

أن أثور تعني أن أكسر أغلالا قد صدئت وهي تطوّق معصماي وكعباي، أن أثور تعني أن أنفجر كبركان كان خامدا وقد آن أوان ثورانه، وهل لحممه من سبيل لإيقاف تدفّقها لو تدافعت من فوهة بركاني؟

أن أثور تعني أن أهبّ من سباتي وأمزّق ثياب الخذلان، ثوب الضحية الذي اخترت أن ألبسه طيلة حياتي أو ذاك الذي أجبرتني هي عليه وألبستني إيّاه.

أن أثور تعني أن أقف على قدماي وأحارب، أن أثبت لنفسي أولا ثم للعالم ولها أني لا أهزم بسهولة أو أنّني لا أهزم أبدا إلّا أن يشاء الله، أن أثبت لها أنّ لعبتها مجرّد لعبة لا أكثر، وأنّ ما أريده أنا هو فقط ما يهمّني.

أن أثور تعني أن أصنع لنفسي سلّما من خيباتي وتجاربي وأن أخرج من حفرة سقطت فيها بإرادتي أو تمّ فيها اسقاطي، أن أثور تعني أن أكون أزرقا ثم أن أغضب وأتمرّد على كل استيائي.

أن أثور تعني أن أكون عنيفا جدا كإعصار لا يرحم ولا يوقفه شيء سوى بلوغ هدفه المنشود، أو كريح صرصر عاتية تصرع تلك الحياة فتجعل كل شيء في طريقها أجداث نخل خاوية.

أن أثور تعني أن أكون قنبلة موقوتة تنتظر أن يدوسها أحد هؤلاء المحبطين حتى تنفجر في وجهه فتصير شظايا لا تبقي ولا تذر، أو أن أنفجر كمعزوفة تنفذ إلى القلوب فتصمّها قبل الآذان.

اليوم قررت أن أثور ضد الحياة وظروفها وضد المحبطات وضد كلّ من كان ضدي من أبناء جلدتي، لكن فقط ليس ضد إرادتي.

اليوم قررت أن أثور ضد كلّ ما كان يسوئني، اليوم أقف لأحارب لأقول كلمتي فربما لن يسعفني الحظ وطول العمر لأن أقولها، اليوم أقف لأقول جملة واحدة: أزرق غاضب حتى النصر.

فأن أكون أسطورة لنفسي أو أن أقبع داخل لعبة الحياة أبد الدّهر.

لي أن أختار ولك أنت أيضا أن تختار بكامل إرادتك ووعيك، أن تكون أو ألّا تكون أبدا.

أن تكون أزرقا ثم أن تنتفض، أو أن تضل أصفرا شاحبا في حفرتك تصارع الحياة محاولا فهمها وفهم لعبتها، فإما أن تموت وأنت تحارب أو أن تموت جبانا راضخا لكل ما سطّرته لك.

أن تكون أسطورة نفسك أو كأن لم تكن شيئا مذكورا، نجما مشعا في سماءك أو حبّة رمل منسية في شاطئ ناء لا تداس حتى بأقدام الثائرين.

لك أن تختار بين أن تكون الرصاصة التي تخترق كل ما يقف في طريقها أو أن تكون صدر الضحية الذي يستقبل رصاص المنتفضين.

قد أن الأوان لأن تثور وأن تقود الثورة بنفسك وأن تكون ثائرا عظيما قدوة للثائرين.

وأن يكون شعارك من شعار عنترة العبسي: خُلقت من الجبال أشدّ قلبا، وقد تفنى الجبال ولست أفنى.

أن تثور يعني أن تكون شيغيفارا نفسك وأن تنتفض، ولتذهب حينها لعبة الحياة إلى الجحيم فما هي إلّا سبيل لكلّ العابرين.

الحياة مجرّد لعبة لا غير، ونحن كلّنا مضطرون لأن نلعبها ولا مناص منها ولا مهرب، لكنّ اختيارنا لطريقة اللّعب التي تناسبنا هو الذي يرفعنا درجة تأهّلنا لأن نكون من الثائرين، ثم حينما نثور نفهم أنّ المشكلة ليست في لعبة الحياة بحد ذاتها، وإنما هي فينا، فأن نكون ثائرين أو أن نكون عبيدا نلعن الحياة واختباراتها.

في الحياة لا يوجد فائز ولا خاسر، وإنّما هناك ناجحون وفاشلون، ناجحون اختاروا أن يكونوا ثوّارا وأن يبقوا كذلك حتّى يكتبوا من الثائرين، وفاشلون لم يجدوا مكانهم بعد في لعبة الحياة فلا هم ثاروا ولا هم لعبوها.

وسائط متعددة ذات صلة