33

الجمال القاتل حرفياً

هناك أصوات عالية لا تمّل دعوتنا يوميّاً إلى تقبّل الآخر واحترام إنسانيّته، وتصّدع رؤوسنا بأهمية نبذ التمييز العنصري وقبول الاختلافات ليعمّ السلام.

الكلام المحفوظ ذاته والعبارات الأنيقة نفسها، لكن وبصراحة نحن غير قادرين على تقبّل أنفسنا وعاجزين عن الاعتراف بأجسادنا التي نحيا فيها، ونورّطها معنا ستين عام على أقل تقدير. من غير الممكن أن نحترم الآخرين ونحن نرفض حقيقة ذاتنا.

إننا وببساطة مُجبرون اليوم على الإمساك بمطرقة وكسر أنوفنا لنبدو أظرف، وحتى نكون مندمجين مع ثورة الجمال يجب أن نُخضع أجسادنا لعملياتِ نحتٍ مثاليّة، ونَمضي لنقصّ معدتنا بكلّ روح رياضيّة لنحصل في نهاية الأمر على جسد يوافق المواصفات البلاستيكيّة المطلوبة لنكمل من خلاله مسيرة رفض القُبح.

من الطبيعيّ حالياً أن ننتزع غددنا الدهنيّة ونرميها بأقرب قمامة في العيادة حتى لا تُعطّل صفاء وجوهنا وتعكّر مزاجنا. حرفيّاً نحن نقيم وبلا تفكير حرباً عالميةً ثالثة ضدّ أجسادنا وأرواحنا بينما ندعو للسلام الخارجيّ.

وليكتمل مشهد سحق تقبّل الاختلاف فإنه وحسب تقرير الجمعية الأميركية للجراحة التجميلية فإنّ هنالك 13 مليار دولار صُرف على عمليات التجميل في العام الماضي في الولايات المتحدة الأمريكية وحدها.

أما في كوريا الجنوبية فإن هنالك إمرأة من بين كل خمس نساء قامت بإجراء عملية تجميل واحدة على الأقل. وفي العام الماضي ربط 7.5 مليون شخص حقائبهم وتوجّهوا إلى كوريا الجنوبية من أجل شراء جمال إضافي. وسنويّاً هنالك نحو 3 ملايين حقنة بوتوكس تُفرّغ دون رحمة في أجساد البشر. والنهاية السعيدة قد لا تكون حليفة هذه المعارك.

عمليات الاستنساخ هذه تحصر مفهوم الجمال وتضع له معياراً تسويقيّاً دنيئاً. إنها تحوّله من صفة إلهيّة ساميّة ومفهومٍ نسبيّ أساسه سِحر الروح وخفّتها؛ إلى مفهوم استهلاكي صارم يُقاس بدقّة في أروقة الصالونات وكراسي العيادات.

في مدينة البلاستيك هذه لا وجود للبثور أو الشفاه الرقيقة ولا عيون مذهلة سوى الملوّنة منها، الوزن الزائد عار وأما بالنسبة لأصحاب البشرة السمّراء فإنهم دخلاء على عالم الجمال الذي يقدّس البشرة البيضاء ولا يعترف بسواها، وإنْ لم تولد أبيض اللون لا عليك هناك حلول مُرضية لتسلخ جلدك وأنت حيّ تتنفس حتى تصبح من النخبة البيضاء.

في الماضي كان إطلاق شعر الوجه والشارب علامة جمال واضحة ومن ثم صار الوزن الزائد للمرأة يجعل منها فاتنة. إذاً ماذا سنفعل حينما تتغير معايير "السوق" ؟ أو تصبح البشرة السمراء مرغوبة بشدّة مثلاً ؟ من المحزن أننا طبعاً سنهرع لأشعة شمس اصطناعية ومستحضرات حارقة لإصدار نسخة جديدة من وجوهنا وأنفسنا لتلائم المطلوب. نحن نكفر بتفردّ جمالنا وهذا الذي نحياه هو مثالٌ جيّد وعمليّ على الأشخاص الهلامييّن ومنزوعي الثقة بأنفسهم.

مشكلتي ليست مع تزيين أنفسنا بل أقضي وقتاً جيداً أمام المرآة كي أخرج بأفضل صورة ممكنة، إنّما مشكلتي هي جعل شكلنا هو المقياس الوحيد لتقييمنا ومحاولة قولبة مفهوم الجمال ومنحه صورة واحدة.

خُلقنا وجاءت حكمة الله أنْ نكون مختلفين وهذا مصيرنا المحتوم، وما من لغةٍ تَجمعنا ولا ملمس شَعرٍ أو لون بشرةٍ يوحّدنا. متنوعي المنابت والأصول ولكلٍ منّا فكره وطعامه المفضّل ولون يستحيل أن يرتديه. لدى كل شخص تعبير فريد ونكتة لا يتوقف عن الضحك عليها مهما كررّها.

والأمر ذاته ينطبق على الجمال فما نراه جميلاً أو قبيحاً ما هو إلّا انعكاس لمفاهيمنا ومعاييرنا الشخصية ورؤيتنا الفرديّة للأشياء. لذا فإنّ مفهوم الجمال عالميٌ مرنٌ.

لا تحاول التضحية وتصقل جسدك وروحك لتحظى بالرضا ولا تصدّق كل الزيّف والقشور التي تدور حول الجمال. استفتِ قلبك واعثر أولاً على الجمال فيه ولا تطمس هويّتك أو تنكرها لتناسب القالب. فدون تقبّل أنفسنا على عيوبها ودون وجود الجمال فينا ستغدو كل محاولاتنا لرؤيته أو اكتسابه قسراً مجرد ترقيع لثوب مهترئ. وخطىً راجفة تقودنا نحو الموت البطيء.

 

وسائط متعددة ذات صلة