هذا المنشور تمت مشاركته في:

مراجعات كتب

157

لماذا لم يطرقوا جدران الخزان؟

 "لماذا لم يطرقوا جدران الخزان؟"

السؤال الذي سيبقى يطرق رأسك حال انتهائك من الرواية الأولى للكاتب الفلسطيني الراحل غسان كنفاني, بصفحاتها التي لم تتجاوز المائة تحملك رواية "رجال في الشمس" إلى زمن لم يكن فيه أمام الفلسطيني إلّا خياران: إمّا البقاء في خيمة في وطن مسلوب أصبحت فيه غريباً لا تملك فيه إلّا التحسّر على أشجار زيتون زرعها جدّك وبيت دافئ كنت تعيش فيه بسلام وحارة لعبت في زقاقها حتى قُطع نفسك, أو أن تهرب من كل هذا إلى أمل مزعوم و حلم مكلوم.

يوزَع الكاتب المآساة الفلسطينية على ثلاثة أجيال: ما قبل النكبة والنكبة وما بعد النكبة, في رسالة ضمنية بأن أثر النكبة تعدَى الجيل الذي عاصرها و استشرى كمرض خبيث في الجسد وكأن لا أحد سيخرج سليماً من هذه المأساة وإن مرَ من الزمن الكثير.

أبو قيس وأسعد ومروان أبطال هذه القصة, لكل منهم طريق عبَدته الظروف و قادته إلى "أبي الخيزران" العاجز في نظر نفسه والقائد في نظر غيره, تحملهم شاحنة يتناوبون في الجلوس على ظهرها في طريق شمسه جهنم وظله يحموم, على أمل الوصول إلى الجنة المزعومة.

يتجسّد في هذه الرواية الواقع الفلسطيني المرير والنفس البشرية التي تُضمر الخير والشر فلم تكن كلّ الشخصيات مثالية كما يظهر عادة عند الحديث عن الوطن أو المقاومة أو فلسطين بشكل عام, فالكاتب هو ابن اللجوء الذي فرضه الإحتلال وعايش أزمة الوطن والهوية و غيرها مما يواجهه الفلسطيني كنتيجة للإحتلال, إذ أن الحديث عن تبعات الإحتلال لا تقل أهمية من الحديث عن الإحتلال نفسه, و لولا أن تلك المآسي و ما شابهها وُثّقت في الكتب وذُكرت في الروايات لما صدقها أحد و لظن أغلب الناس أن الفلسطيني ترك أرضه مُترفاً لا مُرغماً وأن الطريق التي قادته لبلدان أخرى معبّدة بالورود و أن الجميع قد دفع الثمن و لكن أبا الخيزران لم يدفع الثمن كما دفعه رفقاء سفره الثلاثة, ستشعر بالغضب إزاءه وكأنه يذكرك بأن هناك من يحمل فلسطين كجنسية فقط ويتاجر بها وكأنه قائد لكنه للأسف واجهة لامعة لداخل صدئ و مشوّه يُلقي اللوم على شعب مكسور بسؤال ساذج "لماذا لم يطرقوا جدران الخزان؟".

و أنت تقرأ الرواية لا تنسى أن تتفقد أشجارك و تتخيل أنك من الممكن أن تفقدها رغماً عنك كما حصل مع أبي قيس, أو أن تكون ضحية سرقة مبلغ لا يستحق السرقة ولكنه يستحق حياتك كأسعد, أو أن تذرف دمعتين لأجل الصغير مروان, وألّا تُسامح الإحتلال مهما حصل.

 

 

وسائط متعددة ذات صلة

لا يوجد حاليا محتويات.