قل لا!
قل لا!
كم مرّةً شاهدنا مقاطعَ مصوّرةً منشورةً على مواقع التواصل الاجتماعي لأشخاصٍ ينهالون بالضرب على أحدِهم؟
ولا يمكن عدُّ المرّاتِ التي سمعنا بها عن "فورة دم" أدّت إلى مقتلِ أحدهم رميًا بالرصاص، هذا يحصلُ كثيراً!
ولكنّي أتوقُ إلى انتهاء مرحلة قراءةِ أخبار القتل، والتدمير، والتهجير دونَ أنْ نُلقي لها بالاً، أتوقُ إلى ذلك حقًا.
لكن، هل لاحظَ أحدُكُم وقوفَ العامةِ المارّة أثناء عمليّة الضرب المؤلمة دونَ أدنى حِراكٍ يُذكَر؟
أم تذكرون تساؤُلنا: أين الناس؟ أو أين الشرطة؟ عندما سمعنا بحالة القتل؟
ولا أتوقّع نسيانكَم ردودَ أفعالِنا عند قراءة أخبارِ العنف في المناطق المنكوبة؛ فهي ردودُ أفعالٍ نُصدِرُها يوميّاً ردًا على أخبارٍ أصبحتْ للأسف جزءًا لا يتجزّأ من حياتنا.
فهذا قتلٌ، وهذا قصفٌ، وهذه مجزرة بحقِّ مدنيين، وهذا صانعُ محتوى على مواقع التواصل الاجتماعيّ يعرضُ أبحاثاً سيكولوجية لكبارِ علماءِ النفس تُبرِّر ردودَ أفعالِنا الباردة تجاه العنف، هل تُصدِّق؟ لقد وجدوا تبريراً لذلك.
إنهُم يعتقدونَ بأبحاثهم أنّ ردة فعلي تجاه مقتلِ شخصٍ واحدٍ سوف تكونَ أقوى من ردةِ فعلي تجاه مقتل مئة شخصٍ. وأنني سوف أتأثّر أكثر لو سمعتُ بقصف أدى إلى سقوطِ مبنًى بأكمله وموتِ مَن فيه مِن أنْ أتأثّر بمعرفة إبادةِ حيٍّ بحاله.
و إنِّي لأجدُ هذا تبريرًا منطقياً لمرتكبي العنف، بل إنني أعتقدُ أنّها قاعدة أُولى في صُنعِ ما يفعلون، حيثُ أنّه لا يرغبُ أحدٌ ارتكاب ما لا يُحمَدُ عُقباه، لذا لن تجدَ الأسد يهاجم صغارَ الغزال، ولذلك بُعدَان: بعدٌ إنسانيّ، و إنها لمُفارقة أنْ تتواجد في الحيوان، وبعدٌ أمنيّ، يتمثّل بخوفِ الأسد من غزالٍ هُوجِمَت صغاره.
ومِثل هذا الأسد، لا يرغبُ مُرتكِبُ العنف بردةِ فعلٍ تهدِّده، فتراهُ مُعتمدًا في عمليّاته على البحث النفسي المذكور، فتجده يقتل أكبرَ عدد ممكن، و بهذا يقتل أكبرَ جزءٍ من إنسانيتنا. وتراهُ يهدمُ مبانٍ أكثر، حتّى يهدم أكثر وأكثر من عزيمتنا، ليضمن ردّة فعلٍ ضعيفة كما ذَكَر البحث -إن صدق-.
إلا أنّ مُرتكب أعمال العنف لن يستطيع السيطرة، وسيبقى جُزءٌ منا لينتفض ضده، جُزءٌ ليرفضه، ليقول: لا! فيقومون باعتقاله، وبهذا يكونون قد كبّلوا آخر جُزءٍ من جسدنا كان من الممكن أنْ يتحرّك ليُنقذ باقي الأجزاء.
ولكن ماذا لو أخطأ الباحثون؟
ماذا لو أخطأَ العُلماء وثَبَتَ العكس؟ لن يَكُون هناك ماذا لو، بل يجبُ أنْ يكون هذا البحث خاطئًا، مهما كانت أحجام العنف وأعداد القتلى والمساحات المُدمّرة لا بُدّ مِن وجودِ شيءٍ داخلك، شيءٌ يمنعُك من القبول، شيءٌ يدعُوكَ لأنْ تقول لا... لأنْ تقول لا للعنف!
- منذر قيصر
تم استلهام موضوع المقال من فيلم : قل لا للعنف!
#الخطاب_البديل