فقه الاختلاف

يضاف سنوياً 83 مليون إنسان إلى كوكب الأرض، ووفق تقريرٍ لهيئة الأمم المتحدة بلغ عدد السكان العالمي أكثر من 7.6 مليار. أناس في كل مكان وفي حين لا نستطيع جزم التشابه أو فرضه على أفراد اسرة واحدة فكيف يحاول البعض وضع العالم في قالب واحد وتحت معايير متشابهة، يطالبونهم بعدم الاختلاف دون إدراك ما هو فقه الاختلاف. 

لم أنظر يوماً للاختلاف إلّا على أنه شيء حتميّ، ديدن الحياة وطابعها. عليه جُبلت الأيام وبه تستمر. أذكر نفسي بين الحين والآخر أننا غير مطالبين بأن نكون أفراد متشابهين ولا يمكننا أن نكون ولو اجتهدنا. كما حاولت عكس هذه القيمة من خلال محاولتي الدائمة بالتعامل مع الجميع اعتماداً على مفهوميّ الاحترام والتقبّل سواء كانوا من ثقافة مختلفة أو لغة جديدة أو دين يغاير ديني . وأن لا أُسقط عليهم أحكامي. الأحكام هي الفخّ الأكبر التي نسقط به حينما نتعامل مع أيّ إنسان يُقابلنا. 

لم أنظر يوماً للاختلاف إلّا على أنه شيء حتميّ، ديدن الحياة وطابعها

عودّت نفسي على أن أتعلّم من الجميع، فكانت رغبتي في التعلّم تفوق رغبتي بالتحيّز لمن أنا ضمنهم. التعلم بالذات ممن يختلفون عنّي، أتعلّم كيف يتعاملون مع الأمور حولنا وكيف يقيسون الأحداث. تعلّمت كيف تختلف المعايير وفقاً لما يحمله الواحد منّا في فكره ومرجعيته.  هذا الشيء الذي يمنح الواحد منّا زوايا متعددة ورؤى جديدة لاستقبال ما يجري حوله، فلا يصيبنا هوس إطلاق التعميمات المغلوطة .  

أما عدم فهم حتميّة الاختلاف أو حتى فهمها بشكل قاصر دون تقبّل ما تحمله فإنها تدفع بالإنسان لسلوكات مؤذية على الصعيدين الشخصي والمجتمعيّ. سلوكات أبرزها التهميش ومحاولات الإقصاء الدائم للطرف الآخر ناتجة عن الإيمان بالأفضليّة والشعور بالأحقيّة. ومشاكل مجتمعية عديدة قد تسيطرعلينا وتمنعنا من أداء أدوارنا الإنسانيّة بالشكل الصحيح والصحيّ. 

خُلقنا وجاءت حكمة الإلهيّة أنْ نكون مختلفين وهذا مصيرنا المحتوم، وما من لغةٍ تَجمعنا ولا ملمس شَعرٍ أو لون بشرةٍ يوحّدنا. أفكارنا تنبع بعددنا، متنوعي المنابت والأصول ولكلٍ منّا فكره وطعامه المفضّل ولون يستحيل أن يرتديه. لدى كل شخص تعبير فريد ونكتة لا يتوقف عن الضحك عليها مهما كررّها ولكن رغم كل هذا، فإن هنالك أشياء أسمى لتجمعنا، إنسانيّتنا الواحدة ، أصلنا الترابيّ، أمنيّات المساء وهمّة الصباح. والأهم هي رغبتنا العظيمة في جعل هذا العالم مكاناً أفضل.