القصة القصيرة "كفاح"
كفاح
ترقب أغصان الزيتون وهي تتمايل بخفة، قسم قد انحنى محتضناً حباته والآخر تشخص أنظاره نحو السماء، يشاركها الدعاء إلى الله أن يحقق أمنيتها في إتمام دراستها وتقديم ولو جزء يسير من المعروف لوالديها والإحسان إليهما.
لمَ كل هذه العقبات التي تعترضني ، تحاصرني ؟!
لقد بذلت كل ما في وسعي –الحمدلله- حصلت على معدل عالٍ، لكن! ما جدوى ذلك ؟ وحده لا يكفي لا بد من النقود والنفوذ، فهما الأساس في كل شيء في عصرنا هذا، المجد والعظمة لمن يملكهما، ترى من أين يأتيان، وكيف السبيل إليهما؟!
العمل الشاق أقعد والدها الفراش ، ووالدتها أكل الدهر عليها وشرب، سلب منها صحتها وشبابها، وأخوتها كلٌ له ما يشغله عن نفسه... ورغم كل المعوّقات والمنغّصات لم تقع "كفاح" في مصيدة اليأس والأحزان الشائكة، بل قررت أن تخرج في الصباح وتنتظر مع المنتظرين والمتقدمين للتسجيل في كلية التمريض، فكرت كثيراً في الأمر، وجدت أن هذا هو الحل والطريق الأيسر لتخفيف عبء المصاريف عن أهلها، لكنه الحظ المتعثر، فهو ينزع اللقمة من فمها، رأته "كفاح" معيقاً آخر يؤازر المعيقات المتراكمة في طريق أحلامها فكان حالها كحال شاعرها المفضّل:
أبنت الدهر عندي كل بنت فكيف وصلتِ أنتِ من الزحام
فبعد خروجها من المقابلة الشخصية وإجراء الفحص الطبي وفق نظام تلك الكلية، نظرت في عيون اللجنة فشاهدت الإجابة، انهمرت الدموع من عينيها أخذت الكلمات تفر من بين شفتيها وانعقد لسانها.
ألقت برأسها في حضن والدتها المتهالكة والتي ظنت أن حلمها الوحيد قد تلاشى، كلماتٌ يغلفها الحزن
"اصبري يا ابنتي، لا تيأسي من رحمة الله، للبيت ربٌّ يحميه"
نعم إن رحمة الله واسعة وفرجه قريب، لا بد أن يكون هنالك أناسٌ طيّبون يطالبون بالحق ويسعون لإحقاقه، فالنتيجة لم تظهر بعد، إنه مجرد إحساسٍ يسيطر عليكِ، المهم أن يظل الأمل يحيا في قلبك.
تعود "كفاح" مع أمها وتبقى حبيسة البيت، كل زميلاتها يلتحقن بالجامعات، وهي تنتظر النتيجة، تُرى من الملوم؟!
أمي التي دفعت ضريبة هذا العمر من صحتها، أم أبي الذي لم يجد من يقدم له العون والمساعدة، أم الحظ العاثر الذي لم ينصفني؟
عَبَراتٌ سخيّة أخذت تنهمر من عينيها علّها تخفف من ألمها، علّها تطفئ نار الأحاسيس المُلتهبة وشظايا الأفكار المبعثرة التي لم تعد تسيطر عليها وحالها يقول:
(اللهم إليك أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي، أنت ربّ المستضعفين وأنت ربي)
طرقاتٌ قوية متدافعة جعلت "كفاح" تمسح دموعها ولكنها لم تستطع أن تخفي آثار حزنها، اتجهت نحو الباب وإذ بجارتهم تلقي بين يديها صحيفة...
- ثمّة خبرٌ سارٌّ ينتظر أن تقرئيه
يداها ترتجفان، لم تقوَ على فتح الصحيفة في حين كم من الكتب كانت تتصفحها وتلتهمها بوقتٍ قصير!
كان اسمها يتصدّر قائمة أسماء المقبولين في تلك الكلية على نفقة أحد المحسنين ، والذي علمت فيما بعد أنه نذر جزءٌ من أمواله لتدريس المتفوقين من أبناء الكادحين...
خرّت "كفاح" على الأرض شاكرةً لربها، والوالدان من حولها يبكيان فرحاً وعبارة الأم الحنون يتردد صداها في أرجاء المنزل
"للبيت ربٌّ يحميه...للبيت ربٌّ يحميه"
#الخطاب_البديل
للكاتبة: تمام سليمان صالح الحياري