هذا المنشور تمت مشاركته في:

مقالات

79

ازدحام الشكوك

ازدحام الشكوك- مراد المصري.
 
تتنوع أشكال العلاقات في المجتمعات، وتتميز بعضها بكونها ترتكز على أسس تجعل من السهولة بمكان أن يتم اختراقها والعبث بمكوناتها، مما يسهم في إنتاج مجتمعات هشّة ومتفرقة، على عكس ما يجب أن تكون عليه بأن تتمتع بالتجانس والتوافق، فكل الأفراد يتشاركون في حاجاتهم الاساسية المثبتة علمياً وفق هرم ماسلو الشهير، فلاعربيّ لايحب الأمان، ولاغربيّ يستمتع بالبيئة الخضراء وهو جائع!
إن سلّم الاحتياجات، يعد أساس العلاقات الاجتماعية والاقتصادية، بحيث تنتظم هذه العلاقات وتتكامل لتوصل الإنسان إلى إشباع أكبر قدر ممكن من هذه الحاجات.
ولكن، ليت هذه العلاقات انتظمت يوماً، وأنصفت أطفالاً ماتت جوعاً، وليتها أقنعت رصاصةً بأنها قد ضلّت طريقها باستقرارها أجساداً، لم يكن لها حولاً ولاقوة.
كيف لخائف أن يفكر بالإبداع، وكيف لطائر أن يطير بعد أن قُصت أجنحته وحُرم أبسط حقوقه. إذاً هي الحقوق، هي ما يجب انتزاعه ممن يعبث بصفاء الفطرة الإنسانية السليمة. فكلنا متساوون في التكوين، مختلفون في التلوين.
معظم الشعوب العربية تنتمي قهراً إلى الفئة الصامتة، قد أُحكمت الأقفال على أفواههم، فكلما كُسر قيد، جاؤوا لهم بأغلال جديدة من حديد ووعيد. وبرأيي تنقسم هذه الفئة إلى نوعين، الأول من طالته يد الأذى في مناحي حياته كافة، فأصبح منتهى أمانيه، خيمة آمنة، وغذاء يكفيه حتى يصبح.
والثاني، يتجرع مرارة العيش بين مطرقة الحلم بمستقبل زاهر، وسندان الظلم المسكوب عليه قهراً نتيجة فقدان الإحساس بالقيمة الاجتماعية التي يسعى لها الإنسان بالفطرة، وفي الحالتين نجد الكثير منهم يرمي أسباب التدهور والتخلف على الآخرين، ووجدوا أنفسهم دون انتماء فلا استطاعوا أن يعبروا عن ميولهم ولاأن يمارسوا نشاطهم الفكري دون قيود.

 

الآن، وبهذا التطور الرهيب في التكنولوجيا الرقمية، وشبكات التواصل الزرقاء والملونة، وجد الإنسان العربي نفسه في مأزق الشخصية

في بلداننا تجد أن جُلّ همِّ غالبية شعوبنا الحصول على قوت يومهم، فتجد الفقر والمجاعات، و تجد الجهل يسود قسماً من هذه البلدان، فكيف نفسر أن يموت طفلاً جوعاً، وما المبرر لمئات حالات الوفاة بسبب انتشار الاوبئة والأمراض! ثم كيف لبشرٍ أن يجد مبرراً لمقتل مئات الالاف من البشر دون ذنب، كيف لحرب لا ناقة لهؤلاء فيها أن تحصد أرواحهم، فما ذنبهم، سوى أن القدر قد اختار لهم ذاك المكان البائس!
الآن، وبهذا التطور الرهيب في التكنولوجيا الرقمية، وشبكات التواصل الزرقاء والملونة، وجد الإنسان العربي نفسه في مأزق الشخصية، فما استطاع أن يحاكي ما يصله عبرها، وما فكّر كيف يميز بين الرديء والجيد منها بما يتناسب مع مجتمعاته. فتارةً يجري خلف تقاليد لا تتناسب مع موروثه الديني والثقافي، وأخرى أتى بثأر قد دفنه أصحابه الأصليين، أو ابتدع أشياء ما هي إلّا أضغاث أحلام، ومزرعة أوهام، تقود المجتمعات إلى زوايا الجهل والإفساد.
لنا أن نتخيل كيف سيكون الحال دون وسائل الإعلام الحديثة فكيف سيبكي طفل حلب على كهرباء غزة المفقودة، وكيف سنسمع موسيقى العود من بين ركام مقاهي الموصل المدمرة!

تؤثر تكنولوجيا الاتصال في نوعية العلاقات الاجتماعية بين الناس، فهي كما لها دور في تقريب كل بعيد، وتعبيد طريق المبدعين

تؤثر تكنولوجيا الاتصال في نوعية العلاقات الاجتماعية بين الناس، فهي كما لها دور في تقريب كل بعيد، وتعبيد طريق المبدعين، كان لها دور كبير في جعل الخلافات تطفو على السطح، فقد تم تأجيج الصراعات وفتح طرق الافساد  في الأرض نتيجة الاصغاء لاصحاب الاقلام المسمومة، والغايات الموسومة.
فهاهم ينسجون في الشام خيوط الثارات القديمة، وذلكم من يمنح مفاتيح الجنة على هواه.
فلتستفقْ فئات المجتمع كلها وبوجه الخصوص الصامتة منها ولتصرخ بأعلى صوتها بأنها موجودة، وبأنها قادرة على الإبداع في جعل المجتمعات أكثر أماناً، ولتقول كفى ظلماً واستبدادا، ولنمضي معاً لنرمم أرواحنا، ونبني مجتمعاً سليماً مستقراً.

وسائط متعددة ذات صلة

لا يوجد حاليا محتويات.